هل تكون نهاية حقبة بوتين على يد المعارض الروسى نافالنى؟
قضت محكمة في موسكو الأسبوع الماضي بسجن المعارض البارز اليكسندر نافالني، صاحب أعلى صوت في انتقاد الرئاسة الروسية لمدة 3 أعوام ونصف العام.
وفي تصرف اتسم بالتراجيديا والكوميديا معاً، اُتهم نافالني بعدم الرد على استدعاء وجه إليه أثناء وجوده في ألمانيا لتلقي العلاج من هجوم بغاز الأعصاب نوفيتشوك، وهو سم طوره الجيش السوفيتي، ونفت روسيا أي علاقة لها بمحاولة تسميمه.
وتعرض المتظاهرون الذين خرجوا في احتجاجات مؤيدة لنافالني في الشوارع، للضرب من قبل الشرطة التي اعتقلت أيضاً أكثر من 1500 منهم، كما تم مطاردة آلاف آخرين شاركوا في الاحتجاجات التي خرجت على مدار عطلتين أسبوعيتين.
وتقول المحللة الاقتصادية كلارا فيريرا ماركيز في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن "هذه التطورات التي شهدتها روسيا مؤخراً تمثل لحظة سيئة، حتى بمقاييس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وفي ظل تأرجح روسيا على شفا أن تصبح مكاناً أكثر قتامة إلى حد كبير، وقرب إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في عموم البلاد، في وقت لاحق هذا العام، يواجه الزعماء الغربيون مهمة رئيسية، تتمثل في تعزيز الضغوط، وسيتعين عليهم إيجاد سبل جديدة للاستمرار في الحديث عن المجالات القليلة التي لا يزال هناك اتفاق بشأنها مع موسكو، وبينها اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد.
وترى ماركيز أنه لم يسبق أبداً للغضب القادم من الخارج وبيانات الإعراب عن "القلق البالغ" أن أديا إلى تغيير سريع في الرأي، فقد صمد الكرملين في وجه أنواع متنوعة من القيود منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، ولقد نتج عن ذلك حصن يتمتع بالاكتفاء الذاتي، مع استمرار نفس الإدارة الروسية في تولى المسؤولية.
وما زاد الأمر سوءاً هو أنه يبدو أن اهتمام الكرملين بالتظاهر بالدعم الشعبي بدأ يتضاءل، وهناك الآن تركيز واضح على إسكات الأصوات المعارضة، بأي ثمن، حتى ولو كان هذا يعني التعرض لعقاب اقتصادي، واستنكار واحتجاج دولي.
وما زالت العقوبات الجديدة حيوية.،وهناك إحساس متزايد بالضعف، ولدى الكرملين وسائل أخرى غير استخدام القوة الغاشمة المتاحة لها لإدارة مثل هذه الأزمة مثل الاعتقالات، والمعلومات المضللة، وحتى تقديم المساعدات النقدية بعد دعم مقتصد طوال تفشي جائحة كورونا، ولكن رد الفعل القوي حتى الآن يظهر عدم خوف، وقيادة لوسائل التواصل الاجتماعي من جانب محام سابق يبلغ من العمر 44 عاماً، ومجرد التلميح بظهور بديل في المستقبل يبلغ حد أن يكون تهديداً يسعى الكرملين جاهداً للتعامل معه بطريقته الخاصة.
وهناك فرصة لزيادة الضغط، إذ تستطيع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، معاقبة استخدام غاز الأعصاب في انتهاك واضح للقانون الدولي، كما فعلت من قبل، ويستطيع الغرب بوجه خاص استهداف التكنولوجيا التي لا تستطيع روسيا الحصول عليها بسهولة من أي جهة أخرى.
وسوف يكون لأي جهد منسق بين الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة المزيد من التأثير، حتى لو أعتمد على السلطات العقابية المتواضعة التي ينص عليها قانون ماجنتسكي، الذي يركز على تجميد الأرصدة وحظر السفر، ومجرد استخدام هذا الاسم سوف يغضب روسيا: إذ أن سيرجي ماجنتسكي كان محامياً اتهم المسؤولين الروس بالتورط في فضيحة فساد واسعة النطاق تتعلق بالضرائب؛ وتوفي في الحجز بعد أن رفض تلقي العلاج الطبي.
ويمكن توسيع نطاق الشبكة، فقد تم استهداف أغنى الأشخاص في روسيا بشدة لأول مرة عام 2018، وهناك أدلة أثارت التوتر، وقد أعد فريق نافالني قائمة مقترحة للأسماء للنظر فيها، بعضهم لديهم مساكن في الخارج.
وتقول ماريا شاجينا التي تدرس موضوع العقوبات بجامعة زيورخ إنه "من الممكن أيضاً استخدام قواعد محاربة غسل الأموال ومعايير الاستثمار الأكثر صرامة للضغط على النخبة، وحرمانهم من أجواء الحياة الغربية التي يعشقونها".
ومن المؤكد أن إظهار الغضب، في الوقت الذي يتم فيه السماح لرجال المصارف في لندن، ومستشارو العلاقات العامة، ومحاميو قضايا الطلاق بالاستفادة من ثروة القلة المسيطرة في روسيا ليس أمراً مقبولاً، ومن المهم تذكر أن الأشخاص الأكثر ثراء في روسيا يشيخون وفي وسط حالة نقل هائلة للثروة.
وترى ماركيز أن هناك أمراً أكثر أهمية، وهو مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي تقوده مؤسسة الغاز الروسية العملاقة جازبروم، وهو مشروع خيمت على مكاسبه لأوروبا بالنسبة للطاقة منذ وقت طويل ظلال الأسفين الذي دقه المشروع بين ألمانيا والحلفاء الغربيين، مما أثار التساؤلات حول الأضرار المحتملة لأوكرانيا، وهي ممر عبور رئيسي لخط الأنابيب، بينما يحقق مكاسب للشركات المؤيدة لنظام بوتين.
وببساطة فإن إلغاء المشروع في هذه المرحلة المتقدمة سوف يبعث بأقوى رسالة ممكنة، والخطوة الأفضل بعد ذلك، هي قيام ألمانيا بالضغط على الشركات لوقف العمل حتى تظهر روسيا تقدماً، مع وضع قيود على الاستخدام النهائي لخط الأنابيب وتقديم ضمانات طويلة المدى لكييف.
وتتطلب العقوبات صبراً، وسوف يعتمد الكثير على المدى المتوسط على كيفية أداء اقتصاد روسيا، حسبما يقول ليكا كورهونين من بنك معهد فنلندا للاقتصاديات التى تمر بمرحلة انتقالية، وعلى الرغم من أن الاقتصاد انكمش يصورة أقل حدة مما كان متوقعاً بالنسبة لعام 2020، ما زال الدخل المتاح في حالة ضعف، وبالنسبة للوقت الحالي، روسيا على استعداد لتحمل التكاليف لتعزيز أهداف أخرى، ولكن ذلك ربما يتغير.
وفي الوقت نفسه، يتعين على الغرب أيضاً التواجد بالنسبة لروسيا كلما استطاع، ابتداء من الإظهار الأساسي لدعم للحركة الموالية للديمقراطية، مثل حضور الدبلوماسيين الأجانب جلسة محاكمة نافالني، وينبغي أن يواصل الغرب التحدث مع النشطاء، ومساعدة أعضاء المجتمع المدني، والحفاظ على نظام لمنح التأشيرات يتيح لكثير من الروس السفر لرؤية حقائق أخرى.
وهناك فرصة لاجراء مناقشات في القليل من المجالات ذات الاهتمام المشترك المتبقية ابتداء من الحد من التسلح- كما أوضح الرئيس جو بايدن وبوتين الشهر الماضي- إلى العمل العلمي في منطقة المحيط المتجمد الشمالي وحتى لقاحات الكورونا بعد المعلومات المشجعة عن لقاح سبوتنيك الروسي التى نشرت مؤخراً.
وتؤكد ماركيز أن نافالني أظهر شجاعة مثالية في خطواته، مثل كلمته القوية للغاية في قاعة المحكمة التي وصف فيها بوتين بأنه "فلاديمير المسمم" مؤخراً، والآن هناك حاجة لأن تحذو أوروبا، وبريطانيا، وإدارة بايدن الجديدة حذوه