د. إدريس الكنبوري يكتب عن الجمهور وزمن القطيع



إنه زمن القطيع؛ زمن الجحافل والجمهور العرمرم.

المنطق الجديد اليوم هو نسبة المشاهدات. الفيديو الذي يتابعه مليون مشاهد هو الفيديو الناجح؛ وليكن ما كان؛ حتى ولو كان مواقعة بين دابتين. أما الفيديو الذي يشاهده ثلاثة ملايين شخص فهو في ذاته حجة؛ فإذا وصل إلى خمسة ملايين فهو برهان.

إنها حضارة القطيع. انتقل منطق الأغلبية من السياسة إلى الفكر والعلم والدين. الأغلبية في السياسة أعطتنا الديمقراطية والأغلبية في مواقع التواصل أعطتنا الجهل. ورغم أننا نتحدث عن حضارة العقل اليوم فإن الغباء هو الذي يسود؛ لأن العقل يتعارض مع منطق القطيع.

لقد دار الزمان دورته وعاد إلى النظرية القرآنية حول الأكثرية المضادة للحق والصواب والعقل والتفكير الناضج. لا أتحدث عن الأكثرية على صعيد الاختيار؛ بل على صعيد تبني الأفكار؛ لذلك لن تجد في القرآن ولو إشارة واحدة تشير إلى الانتصار للاغلبية: ولكن أكثرهم لا يعقلون. ولكن أكثرهم لا يعلمون. ولكن أكثرهم للحق كارهون. الخ.

لكن منطق الأكثرية الصماء هذا أعمق بكثير. تحاول الحضارة الغربية الرأسمالية الليبرالية وشقيقتها العوراء عندنا أن تصنع أكثرية من أقلية صغيرة؛ وذلك من خلال الإعلام ومراكز البحث واستطلاعات الرأي؛ حيث يتم تضخيم بعض الظواهر المعزولة كالشذوذ مثلا وجعلها قضية تهم الأغلبية على مستوى النقاش العمومي.

هذا يعني تغييب العقل وتغليب النزوة. كنا نقول القولة المصرية الدارجة "الجمهور عايز كده"؛ اليوم صارت هذه القولة شعار المرحلة.

لقد انقلبت الآية. صار الجمهور هو النخبة.