إيران غيمة مثقلة بالموسيقى...بقلم الكاتب الصحفي سامح قاسم
القاهرة
لستُ من إيران. ولا أعرف الفارسية. لكنني أعرف طعم الخوف، ورائحة الخبز حين يُخبز في بلاد لا تخاف الشعراء. وهذا يكفي. أنا شاعر. أو كنت. لا يهم. المهم أنني، حين أسمع اسم إيران، لا أفكر في العمائم، ولا في الجنرالات، ولا في صور القتلى على الجدران. أفكر في أشياء صغيرة: قطة تموء قرب مسجد، امرأة تطبخ العدس وتبكي حبيبها الغائب، شجرة توت تقاوم الكراهية والغدر المتربص بها. إيران في ذهني، بلاد تكتب الشعر كما يتنفس الصباح.
هناك الحزن له لغة خاصة، والحب لا يُعلن في المقاهي، لكنه يُخبأ بين قطع الحلوى، بين التمر في مجالس العزاء، والعشاق يخشون الفراق كما نخشى نحن من الموت. إيران كما أحب أن أتخيلها، ليست دولة، هي غيمة مثقلة بالموسيقى، وسقف مُزين بالورود والكلمات. هناك لا يرفع الناس أصواتهم، يرفعون رؤوسهم فقط حين تمطر القصائد. الذين يكتبون عنها كثيرون، لكن الذين يفهمونها هم أولئك الذين بُترت أحلامهم بلا جريرة، وصاروا يشربون الحبر بدلا من القهوة. إيران ليست قديسة، ولا شيطانا كما يُشاع. إيران مثل قصيدة نسيها عاشق في جيب حبيبته قبل أن يفترقا، لكننا نحفظها.. نحفظها لأن فيها شيئا يُشبهنا. نحفظها، رغم أننا لم نُولد هناك، ولا نعرف الفارسية.