من خيال الطفولة إلى عمق الفلسفة: كاتبة شابة تنسج قصصاً من أدب المهجر


فتحي الضبع 

منذ أن كانت في العاشرة من عمرها، بدأت أولى خطواتها في عالم الكتابة، طفلة تكتب قصصاً عن الدببة والنحل، بينما كان والدها الأديب والشاعر يلهمها بحضوره وموهبته. تلك البذرة الصغيرة نمت على مهل، لتصبح شجرة إبداع مثمرة، تمتد جذورها من لبنان إلى ملبورن، وتحمل ثمارها بين السطور.

تتذكر كاتبتنا أول قصة لها عن دب سرق عسلاً، فنصحه النحل بالتقاسم بدلاً من السرقة. ورغم ضياع تلك القصة الورقية، إلا أن ذاكرتها تحفظها بدقة ودفء، كأنها صفحة لم تطوَ يوماً. هذه الروح المبكرة في تأمل القيم الإنسانية والتحليل الأخلاقي، بقيت حجر الأساس في مشروعها الأدبي.

منذ البداية، كانت الكتابة وسيلتها للتفكير بصوت عالٍ، لرفض التبعية العمياء، وبناء رأي مستقل، فكان الطفل هو جمهورها الأول، لأن الطفولة كانت حاضرها حينها. ساعدها والدها، بنصائحه وتصحيحاته، على صقل موهبتها، فبدأت رحلتها الحقيقية مع تطور العمر وتبدل الأساليب، حتى باتت تميل إلى الإيجاز والعمق، مفضّلة القصة القصيرة جداً ذات الطابع الفلسفي والسريالي.

طبعت أولى مجموعاتها القصصية في لبنان وهي في السابعة عشرة، ثم تلتها مجموعتها الثانية في ملبورن في نوفمبر 2024. المجموعة الأخيرة تسلط الضوء على قضايا اجتماعية بأسلوب مختصر، يدمج بين القصة القصيرة والقصيرة جداً، ويعكس تجربة فكرية ناضجة رغم حداثة السن.

ورغم تواضعها، إلا أن وصفها بـ"رائدة في أدب المهجر" لا يبدو بعيداً. تقول:

أنا فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها، لا أدّعي الريادة، لكنني أعتبر نفسي رسول أفكاري، أكتب لأني أفكر، وأفكر لأني أريد أن أكون مختلفة."

لكن المشهد الثقافي في المهجر لا يبدو مشجعاً كما يجب، إذ تصفه بالراكِد، بسبب قلة التنظيم وقلة المهتمين، وندرة الوجوه الشابة. تقول بأسف:

النشاطات قليلة، والوجوه تتكرر، نفتقد للتنوع وللحضور الشبابي الحقيقي."

ورغم ضيق الوقت بسبب الدراسة والعمل، لم تغب مشاركتها المجتمعية تماماً، إذ تطوعت مع منظمة "أرابيك ولفر" في مهرجان التنوع الثقافي، حيث ألقت كلمتها، وفازت بالجائزة الأولى في مسابقة للقصة القصيرة عن العنف الأسري، ثم اختيرت لاحقاً كعضو لجنة تحكيم.

ترى أن العمل التطوعي قد لا يكون طريقاً مباشراً لخلق الأدب، لكنه يمنح التجربة التي تتحول لاحقاً إلى إبداع

هو مخزون غير مباشر، يختزنه اللاوعي، ليصيغ لاحقاً مشهداً أو فكرة في قصة أو نص أدبي."

بين المقاهي والكتب، الدراسة والمهرجانات، والتفاعل عبر وسائل التواصل، تواصل كاتبتنا الشابة نحت تجربتها الأدبية بجدّ وصبر، وكأنها تخطّ رسائلها إلى هذا العالم، رسالة تلو الأخرى، على هيئة قصص.