الحاخام الأميركي يسرائيل ديفيد وايس: تضامن مبدئي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ورفض متجدد للصهيونية



فتحي الضبع 

في كلمة تعبّر عن موقف راسخ داخل التيار الديني اليهودي المعارض للصهيونية، أعلن الحاخام يسرائيل ديفيد وايس، الناطق الرسمي باسم منظمة ناطوري كارتا الدولية، تضامنه الكامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية حكومة وشعباً في مواجهة ما وصفه بالعدوان الإسرائيلي الأخير، مؤكدًا أن هذا الموقف لا يعبّر عن رد فعل سياسي مؤقت، بل يعكس قناعة دينية وأخلاقية متجذرة لدى اليهود الملتزمين بالشريعة اليهودية كما أنزلها الله.

وقد جاءت تصريحات الحاخام وايس بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على مواقع إيرانية، حيث عبّر عن أسفه الشديد للمأساة التي خلفها ذلك الاعتداء، مشيرًا إلى أن ما يحدث من اعتداءات متكررة لا يمثل اليهودية، بل يشكّل تشويهًا لها على يد المشروع الصهيوني الذي وصفه بالتمرد الصريح على إرادة الله.

يرى الحاخام وايس، كما هو حال تيار ناطوري كارتا، أن «دولة إسرائيل» ليست فقط كيانًا سياسيًا غير شرعي، بل مخالفة دينية مباشرة لمبادئ التوراة. فالمنظمة لا ترفض الصهيونية لأسباب سياسية أو قومية، بل تعتبرها خروجًا على الإرادة الإلهية وعلى مبادئ الدين اليهودي وتعاليم التوارة.

من هذا المنطلق، فإن كل ما يصدر عن الكيان الصهيوني، بما في ذلك الحروب والاحتلال والتوسع، هو بالنسبة لهؤلاء اليهود خروج عن الدين، ويجب أن يُدان من منطلق ديني أولًا.

لطالما شكّلت القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا في خطاب ناطوري كارتا، والحاخام وايس بوجه خاص. فهو يكرر باستمرار أن دعم فلسطين لا ينبع من مصالح آنية، بل من إيمان بأن الشعب الفلسطيني هو الطرف المظلوم، وأن الاحتلال الصهيوني هو جوهر المأساة.

وفي كلمته الأخيرة، عبّر الحاخام وايس عن حزنه العميق لمعاناة سكان غزة، كما ربط بين آلام الفلسطينيين والضحايا في إيران وسائر البلدان المتضررة من السياسات العدوانية الإسرائيلية، معتبرًا أن الصهيونية تزرع الألم حيثما حلت، وأن الوقوف مع الشعوب المضطهدة هو امتداد لجوهر الديانة اليهودية كما يجب أن تُفهم وتُمارس.

في تحليله الأعمق، أشار الحاخام وايس إلى العلاقة التاريخية الإيجابية بين اليهود والمسلمين، مؤكدًا أن اليهود عاشوا قرونًا في العالم الإسلامي بأمان واحترام، على عكس ما جرى في أوروبا. هذا الاستحضار للتاريخ لم يكن بغرض الحنين، بل لتأكيد أن السلام ممكن حين تقوم العلاقة على الاحترام المتبادل، لا على مشاريع استعمارية توسعية.

 إن استدعاء هذه العلاقة التاريخية في خطاب الحاخام وايس يهدف إلى هدم السردية الصهيونية التي تدّعي أن «العالم الإسلامي يعادي اليهود»، وهي سردية لطالما استُخدمت لتبرير سياسات القمع والعنف.

لا يمكن قراءة خطاب الحاخام يسرائيل ديفيد وايس دون الإشارة إلى دوره الفاعل كأحد أبرز الرموز اليهودية المعارضة للصهيونية عالميًا. فقد شارك في مؤتمرات دولية، وجال في عواصم عربية وإسلامية، حاملًا رسالة مفادها أن الصهيونية لا تُمثّل جميع اليهود، وأنها مشروع سياسي حديث لا يمثل اليهودية الحقيقية.


إن حضوره المستمر في محافل العدالة وحقوق الإنسان، لا سيما في ما يخص القضية الفلسطينية، أكسبه احترامًا واسعًا، حتى بين المسلمين الذين ربما كانت لديهم صورة نمطية مغايرة عن اليهود. الحاخام وايس استطاع أن يكسر هذا الحاجز من خلال صدقه واتساقه العقائدي، لا من خلال الشعارات.

تكمن أهمية مواقف ناطوري كارتا في أنها تقدم نموذجًا مختلفًا عن العلاقة بين الأديان، وتحديدًا بين اليهودية والإسلام. فبدلًا من الصراع الذي تروج له الصهيونية، تدعو هذه المدرسة إلى تحالف ديني–أخلاقي ضد الظلم، أياً كان مصدره.

تصريحات الحاخام وايس الأخيرة ليست مجرد موقف تضامني مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل تأكيد جديد على أن النضال ضد الصهيونية ليس حكرًا على المسلمين أو العرب، بل هو واجب ديني وأخلاقي يقع على عاتق اليهود المؤمنين حقًا.

إن الموقف الذي عبّر عنه الحاخام وايس هو تذكير بأن الصراع ليس دينيًا بقدر ما هو صراع بين مشروع عدالة ومشروع احتلال، وأن دعم فلسطين لا يعني العداء لليهود، بل العداء للظلم، مهما لبس من عباءات.