بعد عقود من الصمت... إيرلندا تبدأ أكبر تحقيق في قضية "أطفال توام" المدفونين في خزان صرف صحي

جريمة تحت عباءة الكنيسة: 

رفات 796 طفلًا تهزّ إيرلندا"



فتحي الضبع 

بعد أكثر من عقد من الكفاح، بدأت إيرلندا رسميًا عمليات الحفر في موقع صادم قد يحوي رفات نحو 796 رضيعًا، دُفنوا سرًا فيما يُعتقد أنه خزان صرف صحي في بلدة توام (Tuam) غرب البلاد. القضية التي كشفت جانبًا مظلمًا من تاريخ إيرلندا تعود اليوم إلى الواجهة مع انطلاق أكبر عملية تحقيق إنساني وعدلي في تاريخ البلاد الحديث.

في قلب حي سكني هادئ بجوار ملعب لكرة القدم، يخفي التراب جريمة سكتت عنها الدولة والكنيسة لعقود. بين عامي 1925 و1961، كانت الأرض موقعًا لدار رعاية للأطفال والأمهات العازبات تديره راهبات كاثوليكيات من جمعية Bon Secours بدعم مباشر من الدولة الإيرلندية.


لم تُسجل وفيات رسمية أو عمليات دفن لهؤلاء الأطفال، حتى جاءت المؤرخة المحلية كاثرين كورليس عام 2014 لتفتح ملفًا مسكوتًا عنه. عثرت كورليس على شهادات وفاة لـ796 طفلًا دون أي دليل على وجودهم في مقابر معروفة، ما أثار الشكوك حول دفنهم في خزان صرف صحي قديم أسفل الدار.

وبعد عشر سنوات من الضغوط والنداءات العامة، بدأت الدولة الإيرلندية رسميًا عمليات الحفر، يقودها فريق دولي من علماء الآثار والأنثروبولوجيا والطب الشرعي. المشروع الذي يُتوقع أن يستمر لعامين يهدف لتحديد مواقع الجثث وهويات الأطفال، ومنحهم دفنًا لائقًا طال انتظاره.

تقول كاثرين كورليس لصحيفة The Guardian: "لقد كانت معركة طويلة… أشعر بالارتياح العميق أن الحقيقة بدأت تظهر أخيرًا".

يرأس فريق التحقيق الخبير دانيال ماكسويني، المتخصص في تحديد رفات ضحايا الحروب والكوارث، ويصف الموقع بأنه أقرب إلى "مسرح جريمة"، مؤكدًا أن الجثث مدفونة في أعماق مختلفة وبشكل عشوائي، ما يصعّب عملية التمييز بين الضحايا. ويضيف: "إذا ظهرت أي مؤشرات على أن الأطفال تعرضوا للقتل أو الوفاة غير الطبيعية، سنُبلغ الشرطة والطب الشرعي فورًا".


ورغم أن لجنة التحقيق الحكومية التي أنهت تقريرها في 2021 نسبت الوفيات إلى الولادات المبكرة والتهابات الجهاز التنفسي، فإنها اعترفت بأن الرعاية في دور الأمهات كانت "أسوأ من الرعاية العامة"، وعانت من الاكتظاظ وسوء النظافة وغياب أي نوع من الرحمة أو الحماية.

تحولت قضية "أطفال توام" إلى رمز وطني للانتهاكات التي مارستها المؤسسات الكنسية ضد النساء والأطفال في إيرلندا، وامتدت تداعياتها إلى عالم الفن، حيث أعلن النجم الأيرلندي ليام نيسون مشاركته في إنتاج فيلم روائي طويل مستوحى من هذه القصة التي لا تزال تثير صدمة وغضبًا عارمين في المجتمع الإيرلندي.