أسرار القطب المجمَّد: لغز اختفاء سفينتي فرانكلين يعود للحياة بعد قرن ونصف من الصمت"

 




لندن

في عام 1845، أبحرت السفينتان البريطانيتان HMS Terror وHMS Erebus من إنجلترا نحو المجهول، بقيادة القبطان الشهير السير جون فرانكلين، وعلى متنهما 129 بحّارًا، في محاولة جريئة لاكتشاف الممر الشمالي الغربي عبر القطب المتجمّد الكندي. زُوّدت السفينتان بأحدث التقنيات البحرية آنذاك، من هياكل مدعّمة بالبخار إلى معدات متقدمة لمواجهة الجليد، لكن بعد أن شوهدتا آخر مرة قرب خليج بَفِن، اختفتا وسط صمت جليدي رهيب، لتبدأ واحدة من أطول وأغرب فصول الغموض في التاريخ البحري.

ظلّ مصير البعثة مجهولًا لعقود، حتى عام 1859، حين تم العثور على وثيقة مأساوية تحت كومة من الحجارة في جزيرة الملك ويليام. وكشفت الرسالة، التي تعود لعام 1848، أن السفينتين حوصرتا بالجليد منذ سبتمبر 1846، وأن السير فرانكلين توفي في يونيو 1847، وأن القائد الجديد، الكابتن فرانسيس كروزير، قرر مع طاقمه – وكانوا لا يزالون 105 رجال – التخلي عن السفينتين والسير على الأقدام باتجاه نهر "باك"، بحثًا عن النجاة.


ما حدث بعد تلك الخطوة المصيرية بقي طيّ الغموض. فقد تم العثور لاحقًا على رفات بشرية متناثرة، وممتلكات ممزقة، وهياكل عظمية محفوظة بشكل غريب وسط الثلوج، ما يدل على أن الرجال هلكوا بفعل الجوع والبرد، وربما التسمم بالرصاص نتيجة الأطعمة المعلبة غير السليمة. وسجلت الروايات الشفهية للإنويت مشاهد مرعبة لرجال بيض يجرّون زوارق على الجليد، يسقطون موتى أو يفقدون عقولهم وسط اليأس.


وبينما فشلت عشرات حملات البحث في القرن التاسع عشر في حلّ اللغز، فقد جاءت الانفراجة في العصر الحديث: حيث تم العثور على حطام إيريبَس عام 2014، تلاه اكتشاف تيرور عام 2016، وكلاهما بحالة حفظ مدهشة في أعماق القطب.


رغم ذلك، لا تزال التفاصيل الدقيقة لنهاية الرحلة محفوفة بالأسرار، في سردية مأساوية تجسّد حدود القدرة البشرية أمام قسوة الطبيعة، وملحمة صراع بين العزيمة البشرية والجليد الأبدي.