العمل في المساجد بين الإخلاص والاستغلال: كفوا عن المتاجرة بالنية الطيبة" بقلم محمود الدبعى
ستوكهولم
بين الاستنزاف للعاملين و العمل في سبيل الله : إلى متى يستغلون حبنا للمساجد؟
في السويد، حيث يُفترض أن تُكرم الكفاءات ويُحترم العمل، هناك فئة من الناس تُستنزف تحت عباءة التطوع في سبيل الله و التعويض المالي الخجول .
هُم الأئمة، والعاملون في المساجد و الجمعيات الإسلامية، والموظفون الإداريون ، الذين ظنّوا أن خدمتهم لبيوت الله ستكون تكريمًا لهم في الدنيا قبل الآخرة، فإذا بها تتحول إلى بابٍ من أبواب الاستغلال “الناعم”.
تعالوا نتكلم بصراحة:
كيف يُعقل أن يُعامل الإمام، الذي يقود الناس في صلاتهم، ويُرشد شبابهم، ويفصل في قضاياهم الاجتماعية، ويتحمل أعباء الجالية، وكأنه عامل موسمي؟
كيف يُطلب من الإداري أن يُدير جمعيات معقدة، ويُحضّر مشاريع، ويكتب تقارير، ويخاطب السلطات، ثم يُعطى راتبًا بالكاد يسد الرمق، لأن “العمل في سبيل الله لا يُقاس بالمال”؟
لا تشكرني على جهدي… ادفع لي ما أستحق!
في هذه البيئات، أصبحنا نرى ظاهرة مزمنة:
استنزاف الكفاءات برواتب لا تليق.
عندما تُكلّف شخصًا بمهام مدير، ثم تُعطيه راتب مساعد إداري
تحت التجربة ، فأنت لا تبني عملًا خيريًا… بل تمارس استغلالًا مقننًا.
مجاملة في الكلام، خصم في الأجر
• يُستدعى الموظف لاجتماعات مصيرية، لكن لا يُدرج في سلم الحوافز.
• يُشيدون به في الخطب، ثم يخصمون من أجره في الخفاء.
• يحمل على ظهره عبء الجمعية كاملة، لكن لا يُمنح إلا الفتات.
• يُقال له: احتسب الأجر عند الله ، وكأن الله أمر الناس أن يظلموا بعضهم تحت شعار الإيمان.
هذا ليس عملاً خيرياً.. بل استغلال مغلّف بالنية الطيبة
ما يحدث في كثير من المساجد والجمعيات ليس تطوعًا ، بل بيع لجهود بشر محترمين بثمن بخس.
والمصيبة الأكبر: أن الموظف نفسه يعتاد وظيفة أكبر من راتبه، فيتحول من محترف طموح… إلى منهك صامت لا يرى نفسه، ولا يطالب بحقه، خوفًا من أن يُتّهم بأنه مادي أو عديم نية صافية.
العمل في سبيل الله… لا يعني العمل بالمجان
هل نسيتم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه؟
من أين جاءت هذه الثقافة التي تُقدّم التطبيل على التقدير؟
النية لا تُغني عن الراتب. والحماس لا يُغني عن الأمان الوظيفي.
إلى إدارات المساجد والجمعيات:
كفّوا عن اعتبار الأجر رفاهية
وكفّوا عن ممارسة الامتنان القسري على الموظفين
المؤسسات التي تحترم العقول، تدفع مقابل الجهد لا المجاملة
وتُقدّر الكفاءة… ولا تُساوم عليها.
كفى صمتًا و كفى تجميلًا للاستغلال. من أراد أن يخدم المساجد، فلن يخدمها منكسرًا، ولا مديونًا، ولا منهكًا… بل كريمًا مكرّمًا.