من المتوسط إلى الأطلسي.. كيف غيّرت مصر وليبيا خرائط الهجرة غير النظامية في 2025؟
مرصد الهجرة واللجوء
– تقرير خاص
على مدى السنوات التسع الماضية، تحولت مصر وليبيا إلى محور رئيسي في مشهد الهجرة غير النظامية نحو أوروبا. وبينما شددت القاهرة قبضتها الأمنية على سواحلها منذ 2016 عبر استراتيجية وطنية وقوانين صارمة وشراكات أوروبية بمليارات اليوروهات، ظلّت ليبيا – الغارقة في انقساماتها السياسية والأمنية – نقطة العبور الأبرز ومسرحًا متكررًا لانطلاق القوارب واعتراضها وإنقاذها.
مصر: إغلاق السواحل وتحوّل نحو المعابر البرية
تفاخر الحكومة المصرية بأنها نجحت في وقف الرحلات غير الشرعية من شواطئها. لكن واقع الميدان يؤكد أن المهربين لم يختفوا، بل غيّروا طرقهم نحو الحدود البرية مع ليبيا. وباتت مصر عمليًّا محطة عبور، فيما تواصل أصوات حقوقية محلية ودولية التحذير من غياب الشفافية في نشر الأرقام الحقيقية عن حجم الظاهرة.
ليبيا: البوابة الأكثر خطورة
على الضفة الأخرى، تزداد ليبيا استقطابًا للمهاجرين: أكثر من 824 ألف مهاجر مقيم، وقرابة 88 ألف لاجئ وطالب لجوء حتى مارس 2025.
91% من الوافدين بحرًا إلى إيطاليا هذا العام انطلقوا من السواحل الليبية.
المسار من شرق ليبيا إلى جزيرة كريت شهد قفزة حادة، إذ تجاوز عدد الواصلين 10 آلاف في سبعة أشهر، مقابل أقل من ألف العام الماضي.
جزر الباليار الإسبانية استقبلت قرابة 3 آلاف مهاجر في النصف الأول من 2025، ما يعكس بروز مسار جديد عبر غرب المتوسط.
بالتوازي، يواصل الاتحاد الأوروبي تمويل وتدريب خفر السواحل الليبي، مع تسجيل 9,585 حالة اعتراض أو إنقاذ حتى مايو 2025. لكن منظمات حقوقية مثل “العفو الدولية” تصف التعاون الأوروبي مع ليبيا بأنه “منعدم أخلاقيًّا”، إذ ينتهي بالمهاجرين في مراكز احتجاز تعج بالانتهاكات أو بترحيلهم قسرًا، خاصة المصريين الذين يُعادون إلى بلادهم عبر منفذ أمساعد دون ضمانات قانونية.
الأطلسي.. الطريق الأكثر فتكًا
عام 2024 سجّل 46,843 مهاجرًا وصولهم إلى جزر الكناري، بينهم ما يقارب 9,700 ضحية، ليصبح الطريق الأطلسي الأكثر دموية عالميًّا. وفي 2025 تراجعت الأعداد قليلًا، لكن المخاطر بقيت كما هي: رحلات تستغرق عشرة أيام وسط العطش والجوع والانجراف في المحيط.
الكلفة الإنسانية تتصاعد
من يناير حتى أغسطس 2025، وثّقت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 1,000 وفاة أو فقدان في المتوسط. ومن أبرز المآسي انقلاب قارب قبالة لامبيدوزا في 13 أغسطس خلّف ما لا يقل عن 26 ضحية وعشرات المفقودين.
إلى جانب ذلك، رُحّل آلاف المصريين جماعيًّا من مدن شرق ليبيا مثل طبرق وأجدابيا ودرنة، في عمليات تمت دون مقابلات فردية أو إجراءات قانونية، وسط شهادات عن نقص الغذاء والماء وظروف احتجاز قاسية.
تُظهر تحولات 2025 أن السياسات الأمنية غيّرت اتجاهات الهجرة أكثر مما أوقفتها. فمصر أغلقت سواحلها، لكن ليبيا تحولت إلى “مخزن سكاني” وممر رئيسي، فيما تزايدت الكلفة البشرية على الطرق القديمة والجديدة معًا.
توصيات الخبراء
معالجة جذور الظاهرة عبر دعم تنموي في دول المنشأ (خصوصًا السودان، مصر، ليبيا).
فتح قنوات قانونية للهجرة لتقليص الاعتماد على التهريب.
إنقاذ أكثر شفافية وتنسيقًا على جانبي المتوسط.
رقابة حقوقية على مراكز الاحتجاز والترحيلات.
تبادل بيانات علني وفوري حول الاعتراضات والحوادث.
فالنتيجة، كما يجمع المختصون، أن الأمن وحده لا يكفي: إنه يبدّل المسارات ولا يعالج الدوافع، تاركًا فاتورة إنسانية ثقيلة تتوزع بين المهاجرين والمجتمعات المضيفة.