المغترب الأردني بين الحنين للوطن والتحديات الغائبة عن أولويات صانع القرار
ستوكهولم
منذ عقود، ساهم المغترب الأردني في بناء جسور التواصل بين الوطن والعالم، وكان سفيرًا غير رسمي للأردن في مختلف المحافل الدولية، مسهمًا في رفد الاقتصاد الوطني عبر التحويلات المالية والاستثمار في مشاريع داخل الأردن، إلى جانب تعزيز صورة الوطن في المجتمعات التي يعيش فيها. ورغم هذا الدور المحوري، ما زال المغترب الأردني يواجه جملة من التحديات والمطالب التي يتطلع لإيصالها لصانعي القرار السياسي في المملكة، بما يضمن تعزيز ارتباطه بالوطن ودمجه في مسارات التنمية الوطنية.
1. الصوت الانتخابي وتمثيل المغترب
من أبرز هموم الجاليات الأردنية في الخارج قضية المشاركة السياسية، وعلى رأسها الحق في التصويت والترشح في الانتخابات النيابية.
ورغم أن الدستور الأردني لا يمنع صراحة مشاركة المغتربين، إلا أن تطبيق هذا الحق ظل حبيس القوانين الناظمة التي لم توفر آلية عادلة وشفافة لاقتراع الأردنيين في الخارج.
في العديد من الدول، مثل مصر وتونس والمغرب، تم اعتماد أنظمة تصويت إلكترونية أو من خلال السفارات والقنصليات. أما في الأردن، فغياب الإرادة السياسية والآليات التقنية حال دون مشاركة حقيقية، ما أضعف تمثيل شريحة كبيرة من المواطنين في الخارج، تتجاوز أعدادهم المليون مغترب بحسب دائرة الإحصاءات العامة ووزارة الخارجية.
2. الاستثمار في الوطن: تحديات البيروقراطية وضعف الحوافز
رغم إطلاق عدة مبادرات مثل " صندوق المستثمر الاردني " و “استثمر في الأردن” و”بوابة المستثمر المغترب”، إلا أن الكثير من المغتربين يشكون من تعقيدات الإجراءات الحكومية، وغياب الحوافز الجاذبة، وعدم استقرار التشريعات الاقتصادية، ما جعلهم يفكرون مرات عديدة قبل ضخ أموالهم في السوق المحلي.
ويطالبون بإنشاء نافذة استثمارية موحدة خاصة بالمغتربين وخاصة رجال و سيدات الاعمال الاردنيين حول العالم ، مع تقديم ضمانات واضحة للاستقرار التشريعي، وإعفاءات ضريبية عادلة، إضافة إلى الترويج لمشاريع جاهزة للدخول بها كمستثمرين شركاء.
3. الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي: حقوق مؤجلة
من أبرز الملفات الشائكة التي تشغل تفكير المغترب الأردني، مسألة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
ورغم إعلان المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في عام 2018 عن إمكانية الاشتراك الاختياري للمغتربين، إلا أن ضعف الترويج، وتعقيدات الدفع، وغياب التغطية التأمينية الصحية داخل الأردن لم تشجع الكثيرين على الانخراط فيه.
يطالب المغتربون بـ:
• تفعيل نظام إلكتروني سهل وميسر للاشتراك.
• توفير خدمات تأمينية صحية متكاملة في حال العودة المؤقتة أو النهائية.
• إمكانية ربط الاشتراك الاختياري بخدمات إضافية كالتقاعد المبكر أو التعويضات العائلية.
4. دعم مؤسسات الجاليات في الاغتراب: سفراء بحاجة إلى دعم
الجاليات الأردنية أسست عبر السنوات مؤسسات ونوادي ثقافية وإنسانية فاعلة في دول المهجر، مثل ملتقى النشامى النشامى للجالية الاردنية حول ألعالم العالم و عشرات الفروع في القارات الخمس ، والاتحادات الأردنية في أوروبا وأميركا والخليج.
ورغم دور هذه المؤسسات في رعاية الهوية الأردنية، وربط الأجيال بالوطن، فإنها تعاني من قلة الدعم الرسمي، سواء اللوجستي أو المالي، وضعف التعاون مع السفارات الأردنية.
المطلوب: إنشاء صندوق دعم خاص بالمؤسسات الأردنية في الخارج تحت إشراف وزارة الخارجية ووزارة المغتربين (حال تأسيسها)، يهدف إلى تمويل النشاطات الثقافية والاجتماعية والتعليمية للجاليات.
5. رعاية الجيل الثاني والثالث: ضمان الاستمرارية والانتماء
أبناء الأردنيين في الخارج يشكلون رصيدًا مستقبليًا مهمًا، لكنهم غالبًا ما يعانون من ضعف التواصل مع وطن الآباء والأجداد.
هناك فراغ ثقافي وهوياتي يهدد بفقدان الانتماء، خصوصًا مع غياب برامج تعليمية وتوعوية رسمية تعزز الارتباط بالأردن.
ويطالب المغتربون بـ:
• تنظيم مخيمات صيفية شبابية في الأردن.
• منح دراسية لأبناء المغتربين في الجامعات الأردنية.
• توفير دروس لغة عربية وتاريخ أردني في مدارس و منتديات الجاليات.
6. وزارة تعنى بالمغتربين: مؤسسة مؤجلة رغم الحاجـة
رغم مرور سنوات على طرح فكرة تأسيس وزارة للمغتربين أو هيئة مستقلة لرعاية شؤونهم، إلا أن الأمر بقي دون تنفيذ.
وجود وزارة للمغتربين سيسهم في توحيد الجهود، وتنسيق المبادرات، ووضع سياسات مستدامة تعالج التحديات المذكورة أعلاه.
في الختام، فإن المغترب الأردني لا يطلب امتيازات، بل حقوقًا طبيعية كفلتها المواطنة، تتمثل في صوت انتخابي فاعل، واستثمار آمن، وحقوق اجتماعية وصحية، ودعم لمؤسساته، ورعاية لجيله القادم.
إن هؤلاء النشامى الذين لم يبخلوا يومًا في دعم وطنهم، يستحقون من صانع القرار وقفة وفاء، واستجابة فعلية لهذه المطالب، حتى يبقى الأردن حاضنًا
لأبنائه، أينما كانوا.
د محمود الدبعي النائب الاول لرئيس ملتقى النشامى للجالية الاردنية حول العالم
و رئيس المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة