أنصار الله: من حركة محلية إلى صوت إقليمي ضد الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية

 



صوفيا 
بقلم الدكتور محمد كمال علام 

عندما يطول الظلم ويستمر القهر، تخرج من بين الشعوب قوى ترى نفسها صوتاً للمستضعفين ودرعاً في وجه الغطرسة. في اليمن، تحوّلت جماعة أنصار الله من حركة محلية تحمل هموم فئة اجتماعية ودينية، إلى فاعل إقليمي يرفع شعارات الدفاع عن المستضعفين ومقاومة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية. هذا التحوّل لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تراكم أحداث تاريخية، سياسية، وعسكرية جعلت الحركة تُقدّم نفسها كقوة مواجهة للهيمنة، وفي مقدمتها الغطرسة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني

أولاً: البدايات والنشأة

ظهرت جماعة أنصار الله في بيئة يغلب عليها الحرمان الاجتماعي والتهميش السياسي، خصوصاً في صعدة شمال اليمن

حملت في بدايتها هوية دينية-ثقافية زيدية، لكنها سرعان ما اتخذت مساراً سياسياً-اجتماعياً في مواجهة ما رأت أنه فساد داخلي وارتهان للنظام اليمني لقوى خارجية

مع مقتل المؤسس حسين بدر الدين الحوثي عام 2004، تولى عبد الملك الحوثي القيادة، لترتبط الحركة منذ ذلك الوقت أكثر بخطاب مقاوم يربط بين ما يجري في اليمن وما يتعرض له الفلسطينيون والعرب من ظلم

ثانياً: من الداخل اليمني إلى المسرح الإقليمي

أحداث 2011 وسقوط النظام السابق فتحت الباب أمام الحركة لتوسّع نفوذها السياسي والعسكري

سيطرة أنصار الله على صنعاء عام 2014 جعلت منها طرفاً أساسياً لا يمكن تجاوزه في معادلة اليمن

التدخل العسكري بقيادة السعودية عام 2015 نقلها من حركة محلية إلى طرف إقليمي يواجه تحالفاً دولياً، ما عزّز خطابها بأنها تمثل "المستضعفين" في مواجهة "الغطرسة الأجنبية"

ثالثاً: الخطاب المقاوم – بين اليمن وفلسطين

رفعت أنصار الله شعارات مركزية أبرزها: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، والتي تعكس إدراك الحركة لذاتها كجزء من معركة أكبر من حدود اليمن

فلسطين احتلت مكانة خاصة في خطاب الحركة، إذ اعتبرت القضية الفلسطينية رمزاً لمعركة المظلومين ضد قوى الاحتلال

في هذا السياق، قدّمت أنصار الله نفسها كامتداد لـ "محور المقاومة" الذي يضم قوى إقليمية تعلن معاداتها لإسرائيل

رابعاً: المواجهة مع إسرائيل – من الشعار إلى الفعل

السياق

مع اشتداد الحرب الإسرائيلية على غزة (2023–2024)، أعلنت أنصار الله دخولها على خط المواجهة

قدّمت عملياتها البحرية والصاروخية باعتبارها دفاعاً عن الفلسطينيين ورداً على "التطهير العرقي" الذي تمارسه إسرائيل

الوقائع 

استهدفت الحركة سفناً مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، وهو ما اعتبرته رسالة بأن الكيان ليس آمناً حتى خارج فلسطين

أطلقت صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه الأراضي المحتلة، ما دفع إسرائيل إلى الرد بضربات جوية على مواقع في اليمن

هذه المواجهة المباشرة أخرجت الصراع اليمني من إطاره المحلي، وجعلته مرتبطاً مباشرة بالصراع العربي–الإسرائيلي

البعد الرمزي

حتى وإن لم تغيّر العمليات ميزان القوى العسكري، إلا أنها مثّلت رسالة رمزية بأن هناك قوى مستعدة للتصدي لإسرائيل في ساحات متعددة، وليس فقط على أرض فلسطين

هذا البعد الرمزي عزز حضور أنصار الله كصوت يدّعي الدفاع عن المستضعفين في وجه الغطرسة

خامساً: الغطرسة الإسرائيلية في ميزان النقد

السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، من الاستيطان إلى التهجير القسري، مروراً بالحصار على غزة، صنفتها منظمات حقوقية دولية كجرائم حرب

تقارير أممية أشارت بوضوح إلى ممارسات قد ترقى إلى التطهير العرقي، خصوصاً مع محاولات اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم

في المقابل، تكرّس إسرائيل صورة "الضحية الأبدية" بينما تمارس دور "الجلاد" بحق الفلسطينيين، ما يجعل القوى المقاومة (ومنها أنصار الله) تجد في ذلك مبرراً أخلاقياً لخطابها المناهض للصهيونية

سادساً: بين الدفاع عن المظلومين وتبعات القوة

أنصار الله قدّمت نفسها كقوة "مدافعة عن المظلومين"، لكن وجودها العسكري لم يخلُ من تبعات سلبية على المدنيين داخل اليمن، حيث استمرت الحرب لسنوات وأنتجت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم

هنا يظهر التناقض: حركة ترفع شعار الدفاع عن المستضعفين، بينما شعبها يعاني أيضاً من ويلات الحرب والحصار

سابعاً: البعد الإقليمي والدولي

الولايات المتحدة وحلفاؤها يرون في أنصار الله تهديداً للملاحة الدولية والتجارة العالمية

إيران تدعم الحركة بدرجات متفاوتة، ما يجعلها جزءاً من معادلة "محور المقاومة" في مواجهة إسرائيل وحلفائها

هذه المعادلة الإقليمية جعلت من اليمن ساحة صراع جيوسياسي أوسع من حدوده

قصة أنصار الله هي قصة حركة خرجت من رحم المعاناة المحلية في اليمن، لتصبح لاعباً إقليمياً يرفع راية الدفاع عن المظلومين في مواجهة الغطرسة الأمريكية والإسرائيلية

لكن، بين الشعار والواقع، تبقى معاناة الشعب اليمني شاهدًا على أن أي قوة، مهما رفعت من شعارات العدالة، تحتاج أن توازن بين خطابها الخارجي وواجبها تجاه الداخل

أنصار الله قدّمت نفسها كصوت ضد التطهير العرقي الإسرائيلي، وهذا منحها حضوراً رمزياً في العالم العربي والإسلامي. غير أن استمرار الحرب، وتفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن، يطرحان سؤالاً عميقاً: هل يمكن لقوة تدّعي الدفاع عن المظلومين أن تكون وفية تماماً لمبادئها، إذا كان شعبها نفسه لا يزال يرزح تحت الظلم والجوع؟

"مقال يعبر عن راي الكاتب"