الإنسان ليس رقم … بل كرامة خُلقت لتُصان

 


ستوكهولم 

محمود الدبعى رئيس المركز السويدى لتنمية اللاجئين 

في زمنٍ يُفترض أنه عصرُ المساواة و احترام حقوق الانسان و تغير الحماية لطالبيها  ، ما زالت الإنسانية تنزف من جرحٍ عميق اسمه الاتجار بالبشر — جريمة تُعرّي ضمير العالم وتفضح هشاشة العدالة حين تُقاس حياة الإنسان بالمال، ويُختزل وجوده في رقمٍ أو صفقة.

إنّ الاتجار بالبشر ليس مجرد انتهاكٍ للقانون الانساني و الدولي ، بل هو اغتيالٌ للكرامة الإنسانية، وإعادة إحياءٍ لعبوديةٍ ظنّ العالم أنه دفنها إلى الأبد.

فأن يتحوّل الإنسان إلى أداة ربحٍ في سوقٍ خفي، يُباع فيها ويُشترى كما تُباع السلع، فذلك سقوط أخلاقي يطال البشرية جمعاء.

من القانون إلى الواقع... المسافة التي تُزهق فيها الأرواح

رغم ما وُقّع من اتفاقياتٍ دولية ومواثيق تُدين هذا الجرم، إلا أن الواقع يكشف عن فجوةٍ مرعبة بين النص والتطبيق.

القوانين تُسنّ، ولكن العدالة غائبة.

والتقصير في حماية الضعفاء — من لاجئين، ومهاجرين، ومحرومين من الإقامة — يفتح الأبواب أمام العصابات لتستعبدهم تحت شعارات “الحماية” و“الملاذ الآمن”.

إنّ تشديد قوانين الإقامات وتهديد المحرومين بالترحيل لا يوقف الجريمة، بل يدفع الضحايا إلى الظلام، حيث يبتلعهم الاستغلال، ويُجبرون على العمل في ظروفٍ لا تليق بكرامة الإنسان.

وهكذا تتحوّل السياسات القاسية إلى وقودٍ يغذّي تجارة البشر بدل أن يطفئها.

اللاجئون والمهاجرون… بين مطرقة الخوف وسندان الاستغلال

الفارّون من الحروب والفقر، الباحثون عن الأمان، يجدون أنفسهم في مواجهة أنظمةٍ يمينية متطرفة  تُضيّق عليهم الخناق باسم القانون.

وحين تُسلب منهم الإقامة، يُسلب معهم الأمل، فيلجؤون إلى السراب الذي تصنعه العصابات، ليصبحوا عبيدًا في القرن الحادي والعشرين — يعملون بلا أجر، يعيشون بلا هوية، ويُستغلّون تحت التهديد والجوع والخوف.

صرخة في وجه الصمت

إنّ الاتجار بالبشر ليس قضية اجتماعية عابرة، بل هو امتحانٌ أخلاقيٌّ وإنسانيّ يقيس مدى التزام الدول والمجتمعات بالقيم التي تتغنّى بها.

لا يكفي أن نوقّع على اتفاقياتٍ، بل يجب أن نزرع العدالة في السياسات، والرحمة في القوانين، والإنسانية في الممارسة اليومية. على الحكومات التي شددت قوانين الهجرة و الاقامات ان تراجع نفسها لانها ستوجد قنابل موقوتة لا يمكن السيطرة عليها .

حماية الإنسان من أن يتحوّل إلى سلعة ليست خيارًا سياسيًا، بل واجبٌ مقدّس.

والصمت في وجه هذه الجريمة هو تواطؤٌ صريح مع مرتكبيها.

كلمة أخيرة

الإنسان ليس رقمًا في سجلّ، ولا جسدًا في سوق.

الإنسان قيمة لا تُقاس، وكرامة لا تُباع.

ولن تنهض أمة ما لم تصن كرامة أبنائها وتمنح المظلومين فيها صوتًا وعدالة.

فلنتوحّد جميعًا — سياسيين، ومجتمعًا مدنيًا، ومواطنين — في مواجهة هذه الجريمة التي تُهين البشرية كلّها.

معًا ضد الاتجار بالبشر. و ضد القوانين الجائرة ..

معًا من أجل إنسان لا يُشترى ولا يُباع.

محمود الدبعي