غريغوري بيك وسليب... حكاية وفاء بدأت على طريق سريع وانتهت عند حافة الحياة
لوس انجلوس
في صورة قديمة ونادرة، يظهر الممثل الأميركي الأسطوري غريغوري بيك راكعاً إلى جوار كلبته "سليب" وصغارها، بابتسامة هادئة تنفي صرامة شخصياته السينمائية الشهيرة. خلف هذه اللقطة البسيطة تختبئ واحدة من أكثر القصص الإنسانية دفئاً في حياة نجم هوليوود، الذي عرفه العالم بوقاره، بينما عرفته كلبته بإنسانيته الحقيقية.
كانت البداية في ليلة باردة على طريق سريع في لوس أنجلوس. كان بيك عائداً من موقع تصوير حين لمح كلبة هزيلة ترتجف عند حافة الطريق، ضلوعها بارزة وعيونها تائهة. أوقف سيارته دون تردد، اقترب منها بحذر، ومدّ لها قطعة من لوح "غرانولا" كان يحتفظ به في جيبه. اقتربت بخوف، فمدّ لها معطفه، ولفّها فيه كما لو كانت طفلة ضائعة.
لاحقاً، قال لأحد أصدقائه:كانت عيناها مليئتين بالأسئلة، لا بالخوف. لم أستطع تركها هناك."
أطلق عليها اسم "سليب"، اختصاراً لعبارة Slip of a Shadow، أي "شعاع ظل"، لما كان يميز حركتها الهادئة في أرجاء منزله. ومع مرور الأيام، لم تعد مجرد كلبة ضالة، بل أصبحت رفيقة يومه وسرّ سكونه. كان يعتني بها بنفسه، يطهو لها، ويخرج معها قبل الفجر لتتنفس هواءً خالياً من الضوضاء التي كانت تخيفها.
ومثل شخصياته في أفلام To Kill a Mockingbird و The Guns of Navarone، عاش بيك القيم التي جسّدها على الشاشة: الرحمة، والعدالة، والإنسانية. فحين اكتشف أن سليب حامل بعد أشهر قليلة، لم يتعامل مع الأمر كعبء، بل كفرصة جديدة للعطاء.
حوّل غرفة الضيوف في منزله إلى غرفة ولادة دافئة، جهّزها بالأغطية والمصابيح والألعاب القطنية، وأصر على حضور الولادة بنفسه. سبعة جراء جاءت إلى الدنيا على صوته وهو يهمس لسليب بكلمات مطمئنة، كأنها مشهد من فيلم واقعي لا يحتاج إلى كاميرا.
وعندما عرض الطبيب البيطري المساعدة في تبنّي الجراء، رفض بيك تسليم أيٍّ منها إلا بعد أن زار بنفسه كل عائلة محتملة، ليتأكد أنهم سيمنحونها حباً يليق بأمها. احتفظ باثنين منها في منزله، ليكتمل المشهد العائلي الذي لم يكن يشبه أجواء هوليوود، بقدر ما يشبه قلب إنسان بسيط.
حتى في أوج شهرته، لم يتخلّ بيك عن هذه الأسرة الصغيرة. كان مساعدوه يمزحون بأنه "الرجل الذي واجه القتلة والمجرمين في السينما، يقضي لياليه وهو يزيل شعر الكلاب عن بدلته."
وخلال تصوير فيلم MacArthur عام 1977، أوقف العمل ثلاثة أيام ليسافر مع أحد الجراء المريض إلى عيادة متخصصة في كولورادو. وعندما اعترضت شركة الإنتاج، أجابهم بحزم:
ا فيلم يستحق أن يأتي قبل أحد أحبّه."
لكن إنسانيته لم تتوقف عند حدود الحيوانات. ففي عام 1968، فتح بيك أبواب منزله لممثلين سود واجهوا التمييز في هوليوود، ومنح أحدهم شقة لعائلته مجاناً. وعندما سُئل عن السبب، قال ببساطة:
لأنني أستطيع... وهذه يجب أن تكون كافية."
وفي الثاني عشر من يونيو عام 2003، رحل غريغوري بيك عن عمر ناهز السابعة والثمانين، محاطاً بأسرته. عند قدميه استلقى آخر جرو من نسل سليب، كما لو أنه يرافق سيده في رحلته الأخيرة.
رحل بيك تاركاً خلفه إرثاً لا يقتصر على جوائز وتماثيل ذهبية، بل على قصة وفاء نادرة، بين نجم هوليوود وكلبة ضالة رأت في عينيه ما رآه العالم لاحقاً على الشاشة: إنساناً كاملاً من الداخل قبل أن يكون عظيماً في الخارج.
---
