من أطراف القاهرة إلى رعب كاليفورنيا.. الحكاية المظلمة لـ"أميمة عارف" التي صدمت أمريكا



في أحد أحياء القاهرة الفقيرة الملاصقة للمقابر، وُلدت فتاة صغيرة عام 1968، وسط أسرة أنهكها الفقر والعنف، وكانت واحدة من ستة عشر أخاً وأختاً. لم يكن أحد يتوقع أن الطفلة الهادئة، المنطوية على نفسها، ستحمل يوماً اسمها إلى عناوين الصحف الأمريكية باعتبارها صاحبة واحدة من أبشع القضايا الجنائية في تاريخ كاليفورنيا.

اسمها أميمة عارف. طفولتها كانت خليطاً من الحرمان والخوف. عانت من عنف أسري قاسٍ، ترك في داخلها ندوباً لم تندمل. ومع بلوغها سن الشباب، كانت تبحث عن مخرج من هذا الجحيم بأي طريقة.

في منتصف الثمانينيات، وجدت في الهجرة إلى الولايات المتحدة أملاً جديداً، فسافرت بعد زواجها من رجل أمريكي، لكن الزواج لم يستمر، وانتهى سريعاً بالانفصال. في الغربة، عملت في مهن متفرقة، من بينها العمل كخادمة، وأحياناً كعارضة مؤقتة للملابس، لكنها ظلت شخصية غامضة، غريبة الأطوار، لا تحتفظ بعلاقات مستقرة.

وفي خريف عام 1991، التقت برجل يُدعى ويليام بيل نيلسون، يكبرها بثلاثين عاماً، وكان له ماضٍ مليء بالمشكلات والقضايا. خلال أيام قليلة فقط، تحولت علاقتهما من معرفة عابرة إلى زواج مفاجئ. البعض رأى في الأمر طمعاً من جانبها، لكنهما أصرّا على أن ما يجمعهما هو الحب.

لكن ذلك الحب انتهى بواحدة من أبشع الجرائم التي هزّت أمريكا.


في 28 نوفمبر 1991، تحوّل منزلهما الصغير إلى مسرح لجريمة مروّعة. حسب رواية أميمة، حاول زوجها الاعتداء عليها، فدافعت عن نفسها، وضربته بمصباح ثم بمقص. لكن ما حدث بعد ذلك تجاوز كل خيال.

التحقيقات كشفت أن أميمة قامت بتقطيع جثة زوجها إلى أجزاء، وغلت بعضها في الماء، وخلطت أخرى ببقايا ديك رومي في الثلاجة، في محاولة لإخفاء معالم الجريمة. أما الجيران، فشكّوا في الأصوات الغريبة القادمة من مطبخها، خصوصاً صوت الخلاط الذي كان يعمل لساعات متواصلة، ما دفعهم لإبلاغ الشرطة.

عندما وصلت الشرطة، اكتشفت مشهداً صادماً.. ومأساة لا تُصدق.

في التحقيق، قدّمت أميمة روايات متناقضة، زعمت تارة أن جماعة غامضة هي من قتلت زوجها، وتارة أنها كانت في حالة دفاع عن النفس. لكن الفحص الطبي فند أقوالها، مؤكدًا أن الرجل لم يُظهر أي آثار اعتداء عليه قبل وفاته، وأن معصميه كانا موثوقين قبل مقتله.

في عام 1992، أصدرت المحكمة حكمها بالسجن لمدة تتراوح بين 27 عاماً والمؤبد، لتغلق بذلك واحدة من أغرب القضايا التي شغلت الإعلام الأمريكي لسنوات.

وخلال وجودها في السجن، لم تتوقف غرابة حياة أميمة؛ إذ دخلت في خلافات متكررة مع السجينات والموظفين، وحاولت الزواج داخل السجن، وأقامت علاقات مع أشخاص من خارج الأسوار. ورغم طلبها أكثر من مرة الإفراج المشروط، رفضت السلطات، معتبرةً أنها ما تزال خطراً على المجتمع. ولن يُسمح لها بتقديم طلب جديد قبل عام 2026.

قصة أميمة عارف ظلت رمزاً للغموض والدهشة، وموضوعاً لعشرات البرامج الوثائقية في أمريكا. من حي فقير في القاهرة إلى عناوين الصحف العالمية، تحولت حكاية تلك الفتاة إلى مأساة إنسانية عن الغربة، والعنف، والاضطراب النفسي الذي قاد إلى هاوية لا عودة منها.