المتحف المصري الكبير افتتاح أسطوري يُعيد القاهرة إلى صدارة الخريطة الثقافية"

 مصر تفتح بوابة التاريخ: المتحف المصري الكبير يُبهِر العالم 


القاهرة 

فتحي الضبع.منى سعيد 

في لحظة وُصفت بأنها «ميلاد حضاري جديد»، شهدت مصر مساء الجمعة افتتاح المتحف المصري الكبير (Grand Egyptian Museum – GEM)، أحد أضخم المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين، وسط حضور عالمي واسع من رؤساء دول، ووزراء ثقافة، وشخصيات فكرية وفنية، وتغطية إعلامية غير مسبوقة من أكثر من 300 وسيلة إعلام دولية.

المتحف، الذي يُطل على هضبة الأهرامات بالجيزة، يُعد الأكبر في العالم المكرّس لحضارة واحدة، حيث يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية توثّق تاريخ مصر الممتد على مدار سبعة آلاف عام، في تصميم معماري يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 افتتاح أسطوري عند سفح الأهرامات

أُقيم حفل الافتتاح مساء الأول من نوفمبر وسط أجواء احتفالية ضخمة امتدت لساعتين، تخللتها عروض ضوئية وموسيقية مبهرة استخدمت واجهة المتحف الزجاجية خلفيةً لعروض ثلاثية الأبعاد جسدت تاريخ الفراعنة من توحيد القطرين حتى العصر البطلمي.


شارك في الحفل أوركسترا القاهرة السيمفونية بقيادة المايسترو نادر عباسي، مع مشاركة فنية عالمية لمغنية الأوبرا الإيطالية «آنا نيتربكو» والفنان المصري محمد منير الذي قدّم أغنية الافتتاح الرسمية بعنوان «من هنا بدأت الحضارة».

حضر الافتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من القادة أبرزهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وولي عهد اليابان الأمير فوميهيتو، ووزيرة الثقافة الفرنسية، إلى جانب ممثلين عن منظمة اليونسكو ومنظمة السياحة العالمية. رحلة المتحف: من فكرة إلى إنجاز

تعود فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير إلى عام 1992، حين قررت الحكومة المصرية إنشاء صرح جديد يليق بعظمة التراث الفرعوني الذي ضاق به المتحف القديم في ميدان التحرير.

وُضع حجر الأساس في فبراير 2002، وبدأ البناء فعلياً عام 2005، قبل أن تتأخر المراحل النهائية بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى الافتتاح الحالي بعد أكثر من 20 عاماً من العمل وتكلفة تجاوزت مليار دولار أمريكي، بتمويل مشترك بين الحكومة المصرية وقرض تنموي ياباني بقيمة 800 مليون دولار.

صمّم المبنى المكتب الأيرلندي Heneghan Peng Architects، بمساحة إجمالية تفوق 480 ألف متر مربع، تشمل صالات عرض، مركز ترميم، مسرحاً، مكتبة أثرية، متحفاً للأطفال، ومناطق خضراء مطلة على الأهرامات مباشرة.

 محتوى المعروضات: كنوز لا تُقدّر بثمن

يُعد المتحف المصري الكبير أول موقع في التاريخ يعرض المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون، بما فيها عرشه الذهبي وقناعه الشهير، وأكثر من 5000 قطعة أثرية وُجدت في مقبرته بوادي الملوك عام 1922.

كما يضم تمثال رمسيس الثاني الضخم البالغ وزنه 83 طناً في البهو الرئيسي، إلى جانب تماثيل ضخمة لملوك الأسرة الرابعة والخامسة، ومركب الشمس الذي نُقل من موقعه بجانب الهرم الأكبر عام 2021 في عملية دقيقة استمرت 48 ساعة.

يُقدَّر أن نحو 50% من القطع المعروضة لم تُعرض من قبل للجمهور في أي مكان آخر، وهو ما يجعل الزيارة تجربة جديدة حتى لعشّاق التاريخ المصري.

 ردود فعل الإعلام العالمي

تصدّر خبر الافتتاح الصفحات الأولى في كبريات الصحف والمواقع الدولية:

رويترز كتبت: «مصر تفتح متحفها العملاق بعد عقدين من الانتظار – صرح أثري بحجم الحلم يعيد الأهرامات إلى قلب الحاضر».

بي بي سي وصفت الحدث بأنه «أضخم افتتاح ثقافي في القرن الحالي»، مشيرة إلى أن «مصر تمزج بين التكنولوجيا الحديثة وأعظم تراث إنساني على الإطلاق».

نيويورك تايمز قالت إن «المتحف ليس مجرد موقع سياحي، بل إعلان رمزي عن استعادة القاهرة لمكانتها كعاصمة ثقافة في الشرق الأوسط».

لوموند الفرنسية رأت في الافتتاح «تحوّلاً في السياسة الثقافية المصرية من العرض المتحفي التقليدي إلى التجربة التفاعلية التي تربط الزائر بالحضارة».

بينما كتبت الجارديان البريطانية: «المتحف المصري الكبير ليس مجرد متحف – إنه بيان سياسي وثقافي يقول إن مصر حارسة التاريخ وراعية المستقبل».

 تصريحات وشهادات

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال في كلمته الافتتاحية:

 «هذا المتحف رسالة من مصر إلى الإنسانية: أننا نصون تاريخنا ونفتحه أمام العالم بروح السلام والمعرفة.»

أما المدير العام لليونسكو أودري أزولاي فقد وصفت المتحف بأنه «أهم مشروع ثقافي عالمي منذ افتتاح متحف اللوفر في باريس»، مؤكدة أن «المتحف المصري الكبير يمثل نموذجاً للتعاون الدولي في حماية التراث».

وقال عالم الآثار المصري زاهي حواس: «هذا ليس مجرد متحف، بل مدينة للحضارة المصرية القديمة. إنه أكبر مركز آثار في العالم، ومصر اليوم تستعيد روحها الخالدة.»

 تجربة الزائر والتقنيات الحديثة

يقدّم المتحف تجربة زيارة رقمية متكاملة؛ إذ تُستخدم تقنيات الواقع المعزّز والذكاء الاصطناعي لإعادة بناء المشاهد التاريخية، كما يمكن للزائر التفاعل مع المعروضات عبر شاشات لمس ثلاثية الأبعاد تُظهر تفاصيل النقوش وألوانها الأصلية.

كما زُوّد المتحف بنظام بيئي ذكي للتحكم في الإضاءة والرطوبة ودرجات الحرارة، يضمن الحفاظ على القطع الأثرية لأجيال قادمة.

 الانعكاسات الاقتصادية والسياحية

يتوقّع أن يستقطب المتحف نحو 8 ملايين زائر سنوياً في السنوات الأولى، مع مساهمة مباشرة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.5 مليار دولار سنوياً.

ويُعتبر المتحف محوراً رئيسياً في خطة مصر لتنمية السياحة الثقافية ودمجها مع السياحة الترفيهية، خاصة بعد تطوير طريق المطار – الأهرامات، وتوسيع البنية التحتية في منطقة الجيزة.

الخبير الاقتصادي الفرنسي جان-لوك دوبوا قال لصحيفة لوموند:«المتحف المصري الكبير ليس مشروعاً ثقافياً فحسب، بل هو استثمار اقتصادي طويل الأمد يُعيد الثقة في مكانة مصر السياحية عالمياً.»

 بين الحاضر والمستقبل

رغم أن المشروع واجه تأخيرات وتحديات، إلا أن اكتماله يُعد رمزاً لصمود الإرادة المصرية أمام الزمن والتحديات.

ويرى المراقبون أن افتتاح المتحف يشكّل «ذروة الجهود المصرية لاستعادة دورها الحضاري»، ويعيد ربط الحاضر بالماضي في لحظة توحّد بين التراث والتكنولوجيا.

بهذا الافتتاح، لا تُعيد مصر فتح أبواب متحف جديد فحسب، بل تفتح بوابة الزمن أمام الإنسانية لتتأمل تاريخها من جديد.

وفي ظل أنظار العالم التي تتجه إلى الجيزة، يتردّد صدى رسالة مصر