الغُربة بعد الأربعين: لما تكتشف إن مصر مش بتحبّك بقلم: حسام العطار
كان الواحد فاكر إن الغُربة دي للناس اللي لسه في العشرينات، اللي عندهم شنطة ظهر وأحلام متكدسة زي شنط العفش في مطار القاهرة.
إنما بعد الأربعين؟ ده السن اللي المفروض تكون فيه بتدهن بلاكونة الشقة اللي في حدائق الأهرام، وبتزعق لابنك أدم علشان يقفل التلاجة، مش بتقدم على فيزا، وبتشرح للقنصل ليه عايز تسيب البلد اللي كنت بتغني لها “بحبك يا بلادي”.
أنا كنت واحد من الناس اللي بيحبوا مصر حب حقيقي. حب مخلص، ساذج، من النوع اللي يخليك تبرر كل حاجة: الزحمة؟ "أصلاً الشعب طيب". الكهربا قطعت؟ "معلش، البلد بتتطور". المرتب ما بيكفيش؟ "كفاية علينا الأمان!"…
لحد ما جالي يقين مؤلم إن الحب من طرف واحد ما ينفعش، خصوصاً لما الطرف التاني مش بس مش بيحبك، ده مش حاسس إنك موجود أصلاً.
الغُربة بعد الأربعين مش مجرد طيارة وشنطة وسيلفي في المطار. دي طردة محترمة من بيتك الأصلي، بس من غير ما حد يفتحلك الباب أو حتى يقولك "مع السلامة". فجأة بتلاقي نفسك بتدور على وطن بالإيجار، تأشيرة مؤقتة، وناس بتعاملك باحترام لمجرد إنك وصلت في ميعادك.
في الغُربة، مفيش صوت الكُشك اللي تحت البيت، ولا الشاي اللي طعمه نص نعناع ونص مية مخرومة. بس برضه مفيش موظف بيعاملك كأنك سرقت حكايته، ولا سواق تاكسي بيفكرك إنك السبب في انهيار الاقتصاد.
الغُربة بعد الأربعين مش مغامرة، دي نوع من أنواع الانسحاب التكتيكي… انسحاب من دولة بتحبك بس كـ"مشاهد" في مسلسل حياتها، مش بطل.
واللي بيصعبها أكتر؟ إنك تفضل تحبها… رغم كل حاجة.