هجوم منسق على مساجد السويد : تهديد لحرية الدين والديمقراطية ....بقلم محمود الدبعي
تشهد السويد في الوقت الراهن هجوماً منسقاً ومنظماً من قبل باحثين بالشؤون الاسلامية و سياسيين يمينيين ، يستهدف مساجدها، تلك الأماكن التي يرتادها آلاف الأشخاص أيام الجمعة للصلاة، والتواصل المجتمعي، والحوار، والشعور بالأمان. هذه الهجمات، وإن كانت ذات طابع سياسي في المقام الأول، و اعلامي في المقام الثاني ، إلا أنها، في ظل المناخ السياسي السائد، قد تسفر عن آثار سلبية بعيدة المدى. يقود هذه الحملة جهات معروفة بتوجهاتها الإسلاموفوبية، وتضم نفس السياسيين ووسائل الإعلام ومؤثري اليمين المتطرف ومراكز التفكير النيوليبرالية التي تشن أيضًا هجمات متكررة على حركة التضامن مع فلسطين.
تعتمد هذه الجهات على منهجية منظمة تقوم على بث الأكاذيب، وتشويه الحقائق، ونشر الادعاءات المغرضة بهدف ترهيب مسؤولي المساجد وروادها، وإسكاتهم، وتشويه سمعتهم. الهدف النهائي من هذه الحملة هو إغلاق اكبر المساجد المؤثرة على جمهور المصلين ، وخلق حالة من الاستقطاب المجتمعي تجاه المسلمين. وفي هذا السياق، تطال الهجمات أيضًا رياض الاطفال و المدارس الاسلامية مقدمة لاصدار قانون بسحب تراخيص هذه المؤسسات ، و يُستهدف الضغط الاعلامي كل من يتخذ موقفًا داعمًا للمؤسسات الاسلامية من الاحزاب التي تعمل على السويد منفتحة ومتعددة الثقافات.
تسعى هذه القوى الإسلاموفوبية، عبر خطاب التخويف والدعاية السوداء، إلى تصوير المساجد وروادها على أنهم تهديد للمجتمع، في حين أن المساجد تُعد مراكز اجتماعية وثقافية و دينية يزورها آلاف المصلين لممارسة حقهم في تادية الصلاة الجامعية . تصوير هؤلاء المواطنين اتباع الديانة الاسلامية على أنهم خطر على المجتمع يُعد تشويهًا متعمدًا للحقيقة. إن هذه الهجمات تمثل تهديدًا مباشرًا لحرية الدين، التي تضمنها المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتشكل مساسًا بجوهر الديمقراطية.
إن حملات التشويه المنظمة تترك أثرًا مرهقًا على المستهدفين، ما يتطلب من المجتمع توفير الدعم والتضامن لمنع عزلهم أو تهميشهم. فالمساجد في السويد ليست فقط أماكن عبادة، بل هي أيضًا فضاءات للحوار، ومراكز تعليمية، وجسور للتواصل الثقافي، تؤدي دورًا حيويًا في حياة المواطنين منذ عقود. إنها جزء لا يتجزأ من الهوية المتنوعة للسويد .
المساجد ليست محاضن للتطرف و الارهاب و نشر الكراهية ، بل هي حواضن للانتماء، وملتقيات مجتمعية، ومراكز ثقافية، وغالبًا ما تُشكل شبكات دعم اجتماعي لشرائح مختلفة من الناس. الاعتداء عليها - سواء رمزيًا أو فعليًا - يُعد انتهاكًا صارخًا لحق الإنسان في العقيدة والشعور بالأمان والانتماء، وهو الحق الذي تؤكده المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن للأقليات الدينية ممارسة شعائرها بحرية.
مخاطر الخطاب العنصري
تكمن خطورة الخطاب العنصري في قدرته على التحول إلى عنف فعلي. فالعنصرية ليست مجرد كلمات، بل قوة مدمرة تُعيد تشكيل نظرة الناس لبعضهم البعض، وتهدد نسيج المجتمعات، وفي أسوأ الحالات، تُمهّد الطريق لارتكاب الفظائع.
لقد أظهرت التجربة التاريخية والمعاصرة أن ترسيخ الخطاب العنصري في المجال العام يؤدي إلى التمييز، والكراهية، والعنف. وهو ما نرصده اليوم من خلال سلسلة من المراحل التي تبدأ من:
1. نزع الإنسانية:
تبدأ العنصرية غالبًا بتصوير فئة معينة من الناس على أنهم “الآخر”، أو أنهم أقل شأنًا، أو أنهم تهديد. يتم ذلك عبر الصور النمطية والتعميمات وإلقاء اللوم على هذه الفئة في مشكلات المجتمع. هذا النوع من الخطاب يُضعف التعاطف ويُسهّل تجاهل معاناة تلك الفئة، بل وتبرير التعدي عليها.
2. تطبيع الكراهية:
عندما يستخدم السياسيون أو الإعلاميون خطابًا عنصريًا دون أن يواجهوا الرفض، تصل رسالة للناس مفادها أن هذا الخطاب مقبول أو حتى صحيح. حينها تُصبح الكراهية جزءًا من الحياة اليومية، ويُمحى الفاصل بين الرأي والفعل.
3. الاستقطاب وبث الخوف:
يعتمد الخطاب العنصري على تقسيم الناس إلى نحن و هم ، ويغذي مشاعر الخوف والقلق عبر عبارات مثل: هم يأخذون وظائفنا ، أو يهددون قيمناً هذه المشاعر تُغذي التطرّف، وتزيد احتمالات اللجوء إلى العنف من قبل المجموعات القومية التي حذرت منها الاجهزة الامنية .
4. من الكلمة إلى الفعل:
جرائم الكراهية لا تحدث في فراغ، بل في بيئة تُصور فئة معينة على أنها خطر. حين يشعر أصحاب الأفكار المتطرفة بأن خطابهم يحظى بالتأييد أو الصمت العام، يتحول الفكر إلى فعل. لقد سبقت الخطابات العنصرية عبر التاريخ جرائم إبادة جماعية وعمليات قتل جماعي وهجمات إرهابية.
5. أثر العنف على المجتمع:
لا يتضرر الضحايا فقط من العنف الناتج عن العنصرية، بل يتضرر المجتمع كله. الخوف يُضعف الثقة، ويُبعد المواطنين من اصول اجنبية عن المشاركة المجتمعية، ويُقوّض أسس الديمقراطية التي تقوم على المساواة والاحترام.
تصاعد الهجمات في ظل حكومة اليمين المدعومة من حزب سفاريا ديمقراطيا ،
منذ تولي حكومة ائتلاف تيدو السلطة، ارتفع عدد التهديدات والهجمات ضد المسلمين بشكل واضح. فيما يلي بعض الحوادث الموثقة:
• حريق متعمد في مسجد أوديفالا (28 مارس 2025):
شخص مجهول سكب مادة قابلة للاشتعال داخل مسجد دالابيرغ في أوديفالا ليلاً.
• إلقاء جثة خنزير بري على مسجد شوفدة (28 مايو 2024):
تم إلقاء جيفة خنزير بري على المسجد الجديد في شوفدة، وتم توثيق الحادث بكاميرات المراقبة.
• تهديدات بالقتل في ستوكهولم (فبراير 2024):
في فبراير 2024، كُتبت شعارات كراهية وُرسمت صلبان معقوفة على جدران مسجد ستكهولم الكبير ، متضمنة دعوات صريحة لقتل المسلمين.
في الاسبوع الماضي ان القاء رأس خنزير في ساحة مسجد عائشة الجديد في مدينة نورشربنج دون ردة فعل اعلامية تذكر .
الكلمة مسؤولية
الخطاب العنصري ليس مسألة حرية تعبير ، بل تهديد خطير للسلم الاجتماعي والديمقراطية. عندما تُستخدم الكلمات لبناء جدران بين الناس، وتُصبح الكراهية أمرًا عاديًا، وتُختزل فئات من البشر إلى درجة أدنى من غيرهم، فإن العنف يجد بيئته المناسبة للنمو.
دعوة للتضامن
نحن كمواطنين سويديين من اتباع الديانة الاسلامية لا نرضخ للترهيب. لن نرضخ لخطاب الكراهية و التشكيك بوطنيتنا . نقف جنبًا إلى جنب، مسلمون وغير مسلمين، كمواطنين وكمتضامنين إنسانيين. إن إظهار التضامن هو فعل مقاومة وبناء في آنٍ واحد. هو دفاع عن السويد التي يريد اليمين القومي اختطافها و التي نؤمن بها: دولة منفتحة، آمنة، متنوعة وخالية من الكراهية.
محمود الدبعي
المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة