روزاليا لومباردو.. الطفلة التي هزم والدها الموت بالتحنيط



باليرمو

في أعماق سراديب الموتى التابعة لدير الكبوشيين في مدينة باليرمو الإيطالية، ترقد طفلة صغيرة بملامح هادئة ونائمة كأنها لم تفارق الحياة. إنها روزاليا لومباردو، المعروفة بلقب "أجمل مومياء في العالم"، والتي تحولت إلى رمز إنساني مؤثر يجسّد الحزن الأبوي الخالد، ومحاولة تجميد لحظة براءة في وجه الزمن والموت.

وُلدت روزاليا في عام 1918، لكنها لم تعش طويلًا؛ فقد توفيت في عام 1920 عن عمر لم يتجاوز العامين، نتيجة إصابتها بالتهاب رئوي حاد. وقد دفع هذا الحدث المأساوي والدها إلى اتخاذ قرار غير تقليدي، إذ استعان بأشهر محنّط في صقلية آنذاك، الدكتور ألفريدو سالافيا، ليحفظ جسد طفلته من الفناء.

استخدم سالافيا تركيبة كيميائية فريدة ظلت سرًا لأكثر من 80 عامًا، واحتوت على مزيج من الفورمالين، وكحول الإيثانول، وأملاح الزنك، وحمض الساليسيليك، والجليسرين. وقد أتاحت هذه الخلطة غير التقليدية الحفاظ على نعومة جلد روزاليا وتماسك جسدها، بل وحتى لون شعرها الذهبي، بطريقة مدهشة ظلت صامدة لأكثر من قرن.

عينان نصف مغمضتين، وجه ملائكي، وشعر مصفف بعناية... تفاصيل جعلت الزوار والعلماء يقفون في ذهول أمام جسد الطفلة، الذي لا يبدو كجثة محنطة، بل ككائن نائم سُرق منه الزمن في لحظة صفاء. هذا المشهد الفريد أكسبها شهرة عالمية، وأصبح جسدها معروضًا داخل تابوت زجاجي محكم، يتوافد عليه الآلاف سنويًا.

في عام 2009، تمكن فريق من الباحثين من جامعة باليرمو، بالتعاون مع National Geographic Italia، من كشف مكونات مادة التحنيط بعد تحليل دقيق، مؤكدين أن أملاح الزنك كانت العامل الرئيسي في الحفاظ على مظهر الطفلة الخارجي، وهي مادة لم تكن تُستخدم في تقنيات التحنيط التقليدية.

اليوم، لا تُعتبر روزاليا مجرد مومياء نادرة، بل قصة حزينة تروي كيف حاول أب أن يتحدى الموت، ويحتفظ بذكرى طفلته كما كانت، لحظة بلحظة، إلى الأبد. وبين جدران الدير البارد، تظل روزاليا نائمة، بينما الزمن يمر من حولها، دون أن يغيّر من ملامحها شيئًا