الحريديم وجدل التجنيد: بين قدسية التوراة ونداء السلاح.



تقرير .فتحى الضبع 

الحريديم هم طائفة يهودية أرثوذكسية متشددة، تُعرف بتقيدها الصارم بالتعاليم الدينية والابتعاد عن مظاهر الحداثة. تعود جذورهم إلى القرن الثامن عشر في أوروبا الشرقية، حيث نشأت حركات دينية تهدف إلى الحفاظ على نقاء التقاليد اليهودية. يعيش الحريديم في مجتمعات مغلقة، ويرتدون زيًا تقليديًا مميزًا، ويكرسون حياتهم لدراسة التوراة والصلوات اليومية. موقفهم من التجنيد العسكري

يرفض الحريديم الخدمة في الجيش الإسرائيلي، معتبرين أن التفرغ للدراسة الدينية يُعد خدمة روحية تعادل أو تفوق الخدمة العسكرية. يخشى قادتهم من أن تؤدي الخدمة العسكرية إلى تآكل الهوية الدينية للشباب الحريدي، خاصة في بيئة يُنظر إليها على أنها علمانية. هذا الموقف أدى إلى توترات متزايدة داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصة في ظل الحاجة المتزايدة للجنود في الجيش. 

التطورات القانونية والسياسية


في عام 2017، ألغت المحكمة العليا الإسرائيلية الإعفاء الذي كان يتمتع به الحريديم من الخدمة العسكرية، وأمرت الحكومة بوضع قانون جديد لتجنيدهم. ورغم ذلك، استمرت الحكومات المتعاقبة في تمديد الإعفاءات تحت ضغط الأحزاب الحريدية. في مارس 2025، كشفت بيانات الجيش الإسرائيلي أن نسبة تجنيد الحريديم لا تتجاوز 1.77%، مما يعكس تحديات كبيرة في تنفيذ قرارات المحكمة. 

الاحتجاجات وردود الفعل

شهدت إسرائيل مظاهرات حاشدة من قبل الحريديم احتجاجًا على محاولات فرض التجنيد الإجباري. رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: "إلى السجن نذهب لكن لا إلى الجيش"، معبرين عن استعدادهم لتحمل العقوبات القانونية بدلاً من التخلي عن معتقداتهم الدينية. هذه الاحتجاجات أدت إلى اشتباكات مع الشرطة وزادت من تعقيد المشهد السياسي. 


تأثير الأزمة على الحكومة

أدى رفض الحريديم للتجنيد إلى انقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية. في يونيو 2024، صادق الكنيست على تمديد إعفاء الحريديم من التجنيد، رغم معارضة وزير الدفاع وبعض أعضاء الحكومة. هذا القرار أثار انتقادات واسعة، خاصة من قبل الجيش الذي يعاني من نقص في عدد الجنود. كما أدى إلى استقالة بعض الوزراء وتهديدات بانهيار الائتلاف الحاكم.

تمثل قضية تجنيد الحريديم تحديًا كبيرًا للمجتمع الإسرائيلي، حيث تتقاطع فيها الاعتبارات الدينية مع الضرورات الأمنية. في ظل استمرار التوترات، يبقى السؤال مفتوحًا: كيف يمكن التوفيق بين احترام المعتقدات الدينية ومتطلبات الدولة الحديثة؟