سد النهضة وتعنت اثيوبيا...بقلم الدكتور محمد كمال علام

 


في عالم السياسة، ليست كل الأوراق متساوية في القدر أو الأخلاق، فبعضها يُلوَّح به للابتزاز، وبعضها يُستخدم للقتل البطيء. وما تمارسه إثيوبيا في ملف سد النهضة يُعدّ من أخطر أنواع الابتزاز السياسي في القرن الإفريقي، بل أحد أعنف أشكال الحرب غير المعلنة على مصر والسودان

إنها مساومة لا أخلاقية، يقودها عقل سياسي ملوث بثقافة "الاستقواء بغير الحق"، عقلية تركب موجة المصالح الدولية وتتاجر بمصير شعوب، وتراهن على الوقت والضغوط الجيوسياسية... لكنها تجهل أن مصر ليست بلداً يُساوَم على حياته

 نهر النيل كمصدر حياة

نهر النيل هو أطول نهر في العالم ويغذي 11 دولة إفريقية

تعتمد مصر بنسبة 97% من احتياجاتها المائية على مياه النيل، بينما إثيوبيا تستفيد مائيًا من منابع النهر لكنها لم تكن تملك بنية تحتية لاستغلالها حتى وقت قريب.

 سد النهضة الإثيوبي

بدأت إثيوبيا في بناء السد عام 2011 على النيل الأزرق

تقول إثيوبيا إنه مشروع تنموي لتوليد الكهرباء (أكثر من 6,000 ميغاواط)

مصر ترى فيه تهديدًا مباشرًا للأمن المائي القومي، حيث يخفض السد منسوب المياه المتدفقة إليها

 ثانيًا: أبعاد الأزمة

 الأبعاد السياسية

السد يمثل ورقة ضغط سياسي لإثيوبيا على دول المصب

مصر ترى أن إثيوبيا تتعامل بمنطق "فرض الأمر الواقع"

 الأبعاد الاقتصادية

مصر مهددة بخسارة ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية

توفير الكهرباء لإثيوبيا والدول المجاورة على حساب الأمن الغذائي المصري والسوداني

الأبعاد الأمنية

استمرار التعنت الإثيوبي قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية

مصر حذرت أكثر من مرة بأن المياه "خط أحمر"

 ثالثًا: الدور الأمريكي والإسرائيلي الخفي

 الولايات المتحدة

لعبت دور "الوسيط" في بعض مراحل التفاوض، لكن بتمويل تقني ودعم لمشاريع إثيوبيا

لديها مصالح في عدم استقرار المنطقة لتبرير التواجد العسكري والاقتصادي في القرن الإفريقي

 إسرائيل

تشارك في دعم إثيوبيا فنيًا وهندسيًا في مشروع السد

تطمح للحصول على نفوذ مائي عبر التعاون مع دول المنبع

تهدف لإضعاف مصر عبر الضغط على أمنها المائي، وهو أحد مفاتيح قوتها الإقليمية

 رابعًا: دور الدول الإقليمية والدولية

الدولة الموقف الدافع

السودان موقف متذبذب بين مصر وإثيوبيا مصالح في الكهرباء وأمن السد

الصين تمول معدات السد وتشارك في مشروعات الطاقة مصالح استثمارية

روسيا توازن بين مصر وإثيوبيا بيع السلاح وتوسيع النفوذ

تركيا دعم غير مباشر لإثيوبيا لمزاحمة الدور المصري تنافس إقليمي

الإمارات تحاول لعب دور الوسيط مصالح اقتصادية مع الطرفين

 خامسًا: السيناريوهات المستقبلية

 سيناريو التصعيد العسكري

مصر قد تضطر إلى ضرب السد أو المنشآت المرتبطة به إذا تم ملء السد بشكل أحادي وفُرضت أزمة مائية حقيقية

سيكون لذلك تداعيات إقليمية ودولية خطيرة

 سيناريو التفاوض بضغوط دولية

إذا تدخلت الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي بشكل فعّال

إمكانية الوصول لاتفاق قانوني ملزم حول الملء والتشغيل

سيناريو الوساطة الخليجية

تدخل السعودية أو الإمارات كوسطاء مقبولين من الطرفين

هذا السيناريو وارد لكن يحتاج لإرادة سياسية قوية

 سادسًا: الحلول المقترحة

اتفاق قانوني ملزم حول فترات الملء والتشغيل وحقوق كل دولة في المياه

 تعاون مشترك في إدارة السد واستخدام المياه لأغراض تنموية لا تضر أحد الأطراف

 دعم مشاريع تحلية المياه في مصر، وتنويع مصادر المياه

 مراقبة دولية للسد وآليات إنذارية مبكرة لحالات الجفاف

 منع التدخلات الخارجية التي تؤجج الصراع بين الأطراف

 سابعًا: خلاصة التحليل

المشكلة المائية بين مصر وإثيوبيا ليست فقط نزاعًا على حصة من المياه، بل صراع وجود بالنسبة لمصر

أمريكا وإسرائيل تلعبان دورًا مزدوجًا في تغذية الصراع بدعوى "التنمية"، بينما الهدف الحقيقي هو تقويض نفوذ مصر

الفرصة لا تزال سانحة لحل سياسي تفاوضي، لكن الوقت يضيق، وكل تأخير قد يُقرب من لحظة المواجهة

 مساومة الرئيس الإثيوبي.. واللعب القذر بورقة سد النهضة

أولاً: مياه النيل… الحق التاريخي لمصر

مصر تعتمد بنسبة تتجاوز 97% من مواردها المائية على نهر النيل

الاتفاقيات الدولية، سواء في 1902 أو 1929 أو 1959، تثبّت حقوق مصر المائية، ولا تعطي إثيوبيا حقًا منفردًا في التحكم أو تغيير جريان النهر

النيل ليس نهرًا إثيوبيًا، بل نهر دولي يخضع لاتفاقيات ملزمة، ولا يمكن لإثيوبيا التصرف فيه كما تشاء

ثانيًا: عقلية "تِركَب" في الحكم الإثيوبي

مصطلح "تِركَب" هنا هو تجسيد دقيق لعقلية تتعامل مع السياسة كحلبة قتال لا كمنصة تفاهم، عقلية

تتقمص دور الضحية وهي المعتدي

تراهن على اللعب على الحبال الدولية، وتظن أن الصمت العربي والأفريقي ضعف

تتاجر بسد النهضة لا كمشروع تنمية، بل كورقة ضغط سياسي واقتصادي

تريد انتزاع مكاسب سياسية عبر الضغط بالماء، وهو أسلوب يتنافى مع القانون الدولي الذي يمنع استخدام الموارد الطبيعية كوسيلة للابتزاز

ثالثًا: أدوات اللعب القذر في ملف السد

 فرض الأمر الواقع: بدء التعبئة بشكل أحادي دون اتفاق مع دول المصب

 المراوغة في التفاوض: 12 سنة مفاوضات دون نتائج بسبب تغيير المواقف الإثيوبية

 استغلال الانشغالات الدولية: كلما ظهرت أزمة عالمية، تسارع أديس أبابا للإعلان عن تعبئة جديدة

 تحالفات مشبوهة: تقارب مع إسرائيل وبعض الشركات الأجنبية لبناء السد وتقوية موقفها

 دعم الميليشيات في دول الجوار: خاصة في السودان، لخلط الأوراق

رابعًا: الرد المصري... الصبر الاستراتيجي والقوة الهادئة

رغم كل ما سبق، لم تلجأ مصر إلى التصعيد العسكري حتى الآن، لكنها

تمسكت بالشرعية الدولية: لجأت إلى مجلس الأمن، الاتحاد الإفريقي، وطلبت وساطة دولية

 مارست ضغطًا سياسيًا محكمًا: انفتاح مصري على إفريقيا، علاقات استراتيجية مع السودان ودول المنبع

 دعّمت خيارات الردع الاستراتيجي: مصر ليست عاجزة عسكريًا، لكنها تفضل الحلول السياسية، مع الاحتفاظ بحق الرد

 رسائل رئاسية قوية

"المساس بمياه مصر خط أحمر." – الرئيس عبد الفتاح السيسي

"لن نسمح بفرض الأمر الواقع."

"كل الخيارات مطروحة."

خامسًا: من لا يملك… يتاجر بما لا يملك

إثيوبيا لا تملك قانونيًا، ولا أخلاقيًا، ولا جيولوجيًا أن تتحكم في مصير شعبين. لكنها تمارس السطو السياسي على مياه النيل، متناسية أن التاريخ لن يغفر، وأن مصر التي خاضت الحروب لأجل أرضها، قادرة أن تخوض من أجل مياهها

 المعركة لم تنتهِ… لكنها ليست في صالح أديس أبابا

قد تراهن إثيوبيا على الوقت، أو على الدعم الإسرائيلي، أو على انشغال العالم. لكن الحقيقة أن الأمن القومي المصري لا يُساوَم، وأن اللعب القذر في المياه هو إعلان حرب باردة قد تسخن فجأة

مصر تملك أدوات القوة، والحكمة، والشرعية الدولية، والأهم أنها تملك شعباً لن يسمح بالعطش، ولا بقيادة تتراجع