"سانتا مويرتي: قدّيسة المهمّشين التي أرعبت الكنيسة والدولة"

 


سان فرانسيسكو 

في قلب مناطق الظل والفقر، على حدود الدول وهويات الجندر، تبرز "سانتا مويرتي" – قدّيسة العظام والظلال – كرمز روحي ثوري يجذب ملايين التابعين في المكسيك والولايات المتحدة، خاصة من المهاجرين غير النظاميين والمجتمعات المهمشة. ورغم مكانتها القوية بين هؤلاء، فإنّ الكنيسة الكاثوليكية والدولة، على حد سواء، يريان في هذه "القدّيسة المتمردة" تهديدًا مباشرًا.

من التعتيم إلى العلانية: رحلة سانتا مويرتي عبر الحدود

بدأت الكاتبة والباحثة لويس آن لورنتزن من جامعة سان فرانسيسكو رحلتها مع سانتا مويرتي عام 2002، أثناء عملها الميداني مع عاملات الجنس المتحولات جنسيًا من غوادالاخارا، المكسيك، واللواتي يعشن في سان فرانسيسكو. وجدت سانتا مويرتي حاضرة بقوة على مذابحهنّ المنزلية، في غرف صغيرة تسكنها الأرواح المتمردة، الباحثة عن مأوى روحي في عالم يلفظها.

سانتا مويرتي، المعروفة أيضًا بـ"العظيمة البيضاء"، و"سيدة الظلال"، و"العظيمة الجميلة"، هي رمز لروحانيات بديلة نشأت في خضم البؤس الاجتماعي والسياسي، وارتبطت بعبور الحدود، الجغرافية منها والجندرية.

منظمة سرًا، معبودة علنًا: لماذا تخشاها الدولة والكنيسة؟

الولايات المتحدة والمكسيك تتفقان على أمر نادر: رفض سانتا مويرتي. فوكالات أمريكية مثل وزارة الدفاع، وكالة مكافحة المخدرات، والأمن القومي، ترى فيها رمزًا غير مريح يرتبط بالجريمة والهجرة غير النظامية، وبلغ الأمر أن بعض ضباط إنفاذ القانون شعروا بالغثيان وفقدوا الوعي أثناء تلقي تدريبات حولها.

أما الكنيسة الكاثوليكية، فقد وصفت عبادتها بـ"التجديف"، معتبرة إياها ضد تعاليم الإيمان الصحيح. الفاتيكان يرى في ظهورها تحديًا لسلطتها الروحية، بينما يُصرّ ملايين من أتباعها على أن سانتا مويرتي هي الحامية الوحيدة في عالم يُقصيهم ويجرّم وجودهم.

الحدود: مسار موت أم عبور للحياة؟

الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، واحدة من أكثر المناطق عسكرية في العالم بين بلدين صديقين، تُشكل مسرحًا للموت اليومي للمهاجرين، الذين يواجهون خطرًا دائمًا حتى بعد عبورهم. فمنذ عام 1994، قُدرت الجثث المنتشلة على الحدود بـ6,000 – رقم لا يشمل من لم يُعثر عليهم أبدًا.

ومع موت السياسات الرحمية، تولد سانتا مويرتي في قلوب من عبروا هذه المناطق الرمادية: غير المسموحين قانونًا، غير المعترف بهم اجتماعيًا، غير المرئيين روحيًا.

الكنيسة واللاجئون: الحماية المشروطة

رغم معارضة الكنيسة لعبادة سانتا مويرتي، فهي تؤدي دورًا مهمًا في دعم المهاجرين. منظمات كاثوليكية مثل CLINIC توفر الدعم القانوني، والإيواء، والغذاء، في وقت تخلّت فيه الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية تحت راية النيوليبرالية. ولكن هذا الدعم لا يمتد إلى جميع الهويات: فالمهاجرون من مجتمع الميم+ (LGBTQ+) يظلون مستبعدين روحيًا من المؤسسة الدينية، مما يدفعهم للجوء إلى رموز مثل سانتا مويرتي.

جسد غير مرغوب فيه: الجندر والهجرة في سياسة الهوية

السياسات الأمريكية لطالما ربطت الجنسية بالهوية الجنسية والجندرية. من منع دخول "المنحرفين جنسيًا" في أوائل القرن العشرين، إلى استبعاد الأزواج المثليين من لمّ الشمل العائلي حتى عام 2013، كان الجسد غير النمطي مرفوضًا، مرفوضًا كهوية ومرفوضًا كوجود.

تقول الباحثة م. جاكي ألكسندر: "المواطنة دائمًا ما تكون مستعمَرة ضمن مفاهيم الإنجاب والغيرية الجنسية". ولذلك، لا عجب أن تكون سانتا مويرتي، كامرأة هيكلية خارجة عن الزمن، الحامية المثالية لأولئك الذين لا "ينتمون" إلى وطن أو كنيسة.

روح في الهيكل: لماذا يحبها المهمشون؟

من غوادالاخارا إلى تبيتو في مكسيكو سيتي، سانتا مويرتي ليست مجرد رمز؛ إنها تجسيد للمقاومة. هيكل عظمي بملابس نسائية، تحمل منجل الموت وعدالة الميزان، تمثل النهاية التي يتساوى فيها الجميع. بالنسبة لمجتمعات تعيش على الحافة، تُعتبر سانتا مويرتي ليست فقط تجسيدًا للموت، بل حصنًا للحياة وسط الهشاشة.

قالت إحدى العاملات في سان فرانسيسكو: "هي تحميني في الشارع... الموت موجود، ووجودها يحميني من مخاطره". فهل هناك رمز أقوى من الموت لتحدي دولة وكنيسة تمارسان الإقصاء باسم الحياة والفضيلة؟

من ترفضه الدولة تتبناه الروح

سانتا مويرتي، "السيدة العظيمة"، تزداد حضورًا، خاصة مع اتساع دوائر الإقصاء والتمييز. قدرتها على عبور الحدود بين الحياة والموت، بين المسموح والمحرّم، جعلتها رمزًا جذّابًا لأرواح في مهب النسيان. في زمن تُخيف فيه الجدران وتُهشّم فيه السياسات هويات الأفراد، تصبح هذه القدّيسة العظمية ملاذًا يعيد لهم شيئًا من الحضور... ومن الكرامة.