مشكلة المثلث الحدودي لأمن مصر القومي. بقلم الدكتور محمد كمال علام
صوفيا
المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا (المعروف أحيانًا باسم "مثلث العوينات" أو المثلث الجنوبي
الغربي) يشهد توترًا متصاعدًا ناتجًا عن تداخل قضايا الإرهاب، والتهريب، والحرب الأهلية، والمليشيات العابرة للحدود، مما يجعله من أخطر بؤر التهديد للأمن القومي المصري
فيما يلي تحليل شامل للجوانب المختلفة للمشكلة، القوى المنخرطة فيها، ومن يقف خلفها، والحلول الممكنة
أولًا: أهمية المنطقة جغرافيًا واستراتيجيًا
تقع عند التقاء الحدود الثلاثية (جنوب غرب مصر، شمال غرب السودان، جنوب شرق ليبيا)
منطقة صحراوية شاسعة قليلة السكان، صعبة المراقبة الأمنية، ما يجعلها بيئة مثالية لتحركات الميليشيات
قربها من طرق تهريب السلاح والمرتزقة من ليبيا إلى دارفور ومنها إلى النيجر ومالي
ثانيًا: أطراف التوتر في المثلث
ميليشيا الدعم السريع (السودان)
قوات شبه عسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)
تواجه الجيش السوداني في حرب أهلية منذ 2023
تتحرك عبر حدود السودان الغربية والجنوبية، مستغلة هشاشة الأمن
هدفهم: التوسع غربًا للحصول على منافذ للتهريب، وتأمين دعم لوجستي من الخارج (ليبيا تحديدًا)
الجماعات الإسلامية في ليبيا
تنظيمات متعددة
داعش (ظهر مجددًا في الجنوب الليبي)
القاعدة
أنصار الشريعة وفلول "الثوار"
تستفيد من الفوضى الليبية لخلق ملاذات آمنة
هدفهم: بناء طرق تهريب نحو الساحل، واستخدام المثلث كنقطة انطلاق نحو الداخل المصري أو السوداني
عناصر مصرية هاربة (إرهابية أو إجرامية)
بعضهم ينتمي للإخوان أو حسم أو أنصار بيت المقدس، تسلل إلى ليبيا بعد 2013
يتحركون في الخفاء، ويشكلون تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري
ثالثًا: من يقف وراء هذه القلاقل؟
المخابرات الأجنبية (تركيا وقطر سابقًا، وإسرائيل حاليًا بدرجة أكبر)
تمول وتسلح جماعات عبر وكلاء محليين (خصوصًا في ليبيا)
الهدف: إرباك خاصرة مصر الغربية وإجبارها على تفتيت جهدها بين الشرق والجنوب والغرب
مرتزقة فاغنر/أفريكان كور (روسيا)
وجودهم في ليبيا والنيجر يثير توازن القوى
لا يتعاونون غالبًا مع مصر، ما يخلق توترًا في تنسيق الأمن
فرنسا وإيطاليا (مصلحة الطاقة والهجرة)
يدعمون فصائل مختلفة لضمان تأمين مصالحهم في جنوب ليبيا وغربها
رابعًا: رد الفعل المصري المرتقب
تحركات استباقية
غارات جوية محددة (سبق لمصر أن ضربت أهدافًا في درنة وسرت وسبها)
تأمين المثلث الحدودي بفرق حرس حدود وقوات خاصة
التنسيق الاستخباراتي مع الجيش السوداني وقوات حفتر
نقل المعركة خارج الحدود
مبدأ "الضرب في العمق"، كما حصل بعد ذبح الأقباط في ليبيا 2015
لا تستبعد مصر تنفيذ عمليات خاصة ضد معسكرات الإرهاب في جنوب ليبيا أو حدود السودان
خامسًا: الحلول الممكنة
دعم مصر لقوات حفتر في ليبيا
لإنهاء الوجود الإسلامي في الجنوب الليبي
حفتر هو الحليف الأقرب أمنيًا لمصر ضد الجماعات الإسلامية
استمرار الدعم للجيش السوداني
دعم البرهان في مواجهة "الدعم السريع"
لأنه إن سقط السودان في يد حميدتي، قد تصبح حدود مصر الجنوبية مصدر تهديد مزمن
إنشاء حزام أمني متقدم
قواعد عسكرية أو استخباراتية في المناطق القريبة من المثلث
مراكز مراقبة متقدمة بطائرات مسيّرة (درونز) وأقمار صناعية
التنسيق مع القبائل
خاصة الزغاوة، والهوارة، والجعافرة، وبعض قبائل الطوارق، لضبط الحدود ومقاومة التسلل
سادسًا: مخاطر استمرار التوتر
فتح جبهة غربية مصرية موازية للقلق في سيناء
توسيع نشاط الإرهابيين نحو العمق المصري مجددًا
تهريب سلاح ومرتزقة نحو حركات انفصالية أفريقية (تشاد، مالي، النيجر)
احتمال جذب تدخلات دولية أكبر بدعوى "محاربة الإرهاب"
المثلث الحدودي ليس مجرد نقطة صحراوية، بل مفتاح استراتيجي لأمن مصر القومي
الأطراف المسيطرة عليه أو الساعية إليه تمثل تقاطعات صراع إقليمي ودولي
الرد المصري سيكون قويًا ووقائيًا، ولن تترك مصر حدودها مكشوفة مهما كانت الظروف
الحل يكمن في التنسيق الإقليمي الفعّال، والسيطرة على مصادر التهديد قبل أن تتجذر
د\محمد كمال علام
مدير المركز العربى للدراسات والاعلام في صوفيا بلغاريا