الخطابات القومية المتشددة، وتنامي الأحزاب اليمينية فى السويد...بقلم السفير. محمود الدبعي،

 


استوكهولم 

تقرير شامل حول العلاقات بين القوميين السويديين المتشددين والمؤسسات الإسلامية واليهودية في السويد: أسباب التوتر، آفاق المصالحة، ودور القانون والحوار

شهدت السنوات الأخيرة في السويد تصاعدًا في التوترات الثقافية والدينية، لا سيما في ظل بروز الخطابات القومية المتشددة، وتنامي الأحزاب اليمينية، وعلى رأسها حزب “ديمقراطيو السويد” (SD)، بقيادة جيمي أوكسون. وفي مقابل هذا التصاعد، تعمل المؤسسات الدينية – الإسلامية واليهودية والمسيحية – على الحفاظ على النسيج المجتمعي والهوية السويدية القائمة على التعايش والاحترام المتبادل.

وقد جاء اعتذار جيمي أوكسون مؤخرًا لليهود بشأن مواقف سابقة لحزبه على أنها معادية للسامية، مصحوبًا بإعلان ما سمي بـ”الكتاب الأبيض”، خطوة تحوّلية يُفترض أن تكون بوابة لمرحلة جديدة من المسؤولية السياسية والأخلاقية، غير أن هذه الخطوة أثارت تساؤلات مشروعة من قِبل ممثلي المسلمين في السويد، وعلى رأسهم الإمام محمود الخلفي، الناطق باسم الرابطة الإسلامية في السويد، بشأن غياب الاعتذار عن الخطاب المشحون بالكراهية الموجه ضد المسلمين.

أولاً: السياق العام للعلاقات بين القوميين المتشددين والجاليات الدينية

العلاقة مع الجالية اليهودية

عانت الجالية اليهودية من موجات عداء للسامية، خصوصًا في مراحل صعود القوميين الجدد، إلا أن تطور الخطاب القومي، وتبنيه موقفًا متقاربًا مع إسرائيل، خفف من التوتر، بل جعل بعض المؤسسات اليهودية تجد قواسم مشتركة في مواجهة ما يُوصف بـ”التطرف الإسلامي”.


العلاقة مع الجالية المسلمة

العلاقة أكثر تعقيدًا، حيث يُنظر للمسلمين – في خطاب اليمين المتشدد – كعنصر “خارجي” يهدد الهوية القومية. وتُتهم مؤسسات مثل الرابطة الإسلامية بالتبعية الفكرية لحركات إسلامية عالمية، رغم تأكيد الرابطة فك الارتباط مع جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 2017 تنفيذًا لتوصيات اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.

الوساطة المسيحية والإنسانية

لعبت بعض الكنائس والمؤسسات الثقافية دورًا إيجابيًا في التهدئة، من خلال مجلس العلاقات بين الطوائف الدينية، الذي كان يشرف عليه وزير الثقافة، وأصدر وثائق مرجعية تعزز الحوار والتعايش.

ثانيًا: أسباب الخلاف وتصعيد الكراهية

الخطاب السياسي التحريضي: استخدام بعض السياسيين تصريحات مرتبطة بالصراعات في الشرق الأوسط وتوظيفها داخليًا، مما يؤدي إلى انقسام مجتمعي.

ضعف الأطر القانونية الرادعة: رغم وجود قوانين تحظر خطاب الكراهية، إلا أن تنفيذها متفاوت، ولا تشمل تغطية كافية للجرائم اللفظية والرمزية ضد المسلمين.

التناول الإعلامي المنحاز: تسليط الضوء على الخلافات وتهويلها، وتجاهل المبادرات الإيجابية المشتركة بين الطوائف.

الاستقطاب الدولي المنعكس محليًا: الصراعات الإقليمية (فلسطين، سوريا، إيران، إلخ) تُسقَط إعلاميًا داخل السويد، ويُحمّل بعض أفراد الجاليات مسؤوليات سياسية لا تمت لهم بصلة مباشرة.

ثالثًا: نحو ميثاق وطني ملزم ضد الكراهية الثقافية والدينية

يُقترح دعم مشروع قانون وطني يهدف إلى:

تجريم شامل لأي خطاب أو سلوك يحض على الكراهية ضد أي طائفة دينية أو ثقافية أو عرقية.

إلزام الأحزاب السياسية باعتماد مدونات سلوك تحظر التحريض على أساس الدين أو الأصل.

تعزيز مناهج التعليم لتشمل التربية على الحوار بين الأديان والثقافات، من خلال شراكة مع المؤسسات الدينية.

إعادة تفعيل مجلس الحوار بين الطوائف الدينية، بإشراف مباشر من الحكومة، واعتباره مؤسسة دائمة تتدخل استباقيًا لاحتواء التوترات.

إطلاق “الكتاب الأبيض الوطني للتعايش”، تشارك فيه جميع المكونات (المسلمة، اليهودية، المسيحية، اللادينية)، ويحتوي على مراجعات تاريخية، ومبادئ تعايش ملزمة.

رابعًا: تعزيز الثقة والحوار

تمكين الجاليات من التعبير عن رؤاها من دون تخوين أو شيطنة.

رفض أي ربط مؤسسي بين الرابطة الإسلامية وغيرها وبين جماعات محظورة دوليًا، طالما تم الالتزام بفك الارتباط رسميًا وموثقًا منذ 2017.

تشجيع الإعلام على نقل مبادرات الحوار الإيجابية، عوضًا عن تضخيم الانقسامات.

دعوة مشتركة من قادة الجاليات الدينية لإقامة مؤتمر وطني للعيش المشترك برعاية حكومية.

خامسًا: السويد كنموذج عالمي للعيش الكريم

من خلال هذا المسار المتكامل، يمكن للسويد أن تعود لتكون نموذجًا عالميًا في احترام التعدد، وتجاوز الصدامات، وتفعيل مفهوم “المواطنة الشاملة”، حيث لا يشعر أي مكون ديني أو ثقافي بالتهميش أو الإقصاء.

إن اعتراف أي طرف بخطأه تجاه الآخر هو فعل شجاعة ومسؤولية وليس ضعفًا. والاعتذار قيمة إنسانية نبيلة تُؤسس لمصالحة حقيقية. لذا، فكما نطالب جيمي أوكسون وحزبه بالاعتذار من المسلمين، يجب أن نطالب جميع الأطراف الدينية والسياسية والمؤسساتية بالانخراط في مراجعة شاملة، تؤسس لحوار جامع دائم، لا تهزه الأزمات المؤقتة ولا التباينات السياسية.

وبهذا، نأمل أن يكون هذا التقرير خطوة في اتجاه ترسيخ بيئة قائمة على احترام الإنسان، مهما كان دينه أو خلفيته، وعلى بناء جسور لا تُهدَم مهما اشتدت الخلافات.