الكنديون يحتفلون بيومهم الوطني: الأول من يوليو رمز للوحدة والسيادة والتنوع

 


أوتاوا

فتحى الضبع 

 في مشهد يتكرر كل عام، اكتست المدن الكندية باللونين الأحمر والأبيض، وخرج الآلاف من المواطنين والمقيمين إلى الشوارع والساحات العامة احتفالًا بـ يوم كندا الوطني، الذي يصادف الأول من يوليو، وهو اليوم الذي يرمز إلى ميلاد الدولة الكندية الحديثة وبداية مشوارها كأمة موحدة ذات سيادة.

ويُعد هذا اليوم مناسبة وطنية من الطراز الأول، حيث تتعالى فيه الأناشيد الوطنية، وتُرفع الأعلام الكندية على المنازل والمؤسسات، فيما تتزين الساحات بالعروض الموسيقية والألعاب النارية والأنشطة التي تعكس تنوع الثقافة الكندية.

تعود جذور هذا اليوم إلى عام 1867، عندما تم توقيع "قانون أمريكا الشمالية البريطانية" الذي وحد ثلاث مستعمرات بريطانية، وهي نوفا سكوشا ونيو برونزويك ومقاطعة كندا (التي انقسمت لاحقًا إلى أونتاريو وكيبيك)، لتشكل معًا ما يُعرف بدولة "دومينيون كندا". ومنذ ذلك التاريخ، بدأ الكنديون يحتفلون بما كان يُعرف آنذاك باسم "يوم الدومينيون"، قبل أن يتم تغييره رسميًا إلى "يوم كندا" عام 1982، وهو العام الذي استكملت فيه البلاد استقلالها التشريعي عن بريطانيا عبر "قانون كندا".

وفي العاصمة أوتاوا، تركزت الاحتفالات في منطقة "تلة البرلمان"، حيث شهدت حضورًا رسميًا تقدمه الحاكم العام لكندا ورئيس الوزراء، إلى جانب شخصيات عامة ومواطنين من مختلف أنحاء البلاد. وتضمنت الفعاليات عروضًا جوية لفريق "سنوبيردز" التابع لسلاح الجو الملكي، وعروضًا موسيقية لفنانين من مختلف المقاطعات الكندية، عكست التنوع الثقافي واللغوي الذي يشكل العمود الفقري للهوية الكندية.

لكن يوم كندا لا يقتصر على الاحتفالات البهيجة فقط، بل يحمل أيضًا في طياته طابعًا تأمليًا، خاصة في السنوات الأخيرة، مع تزايد الدعوات إلى الاعتراف بتاريخ السكان الأصليين وما تعرضوا له من انتهاكات في الماضي، لاسيما في ظل الكشف عن مقابر جماعية قرب مدارس داخلية كانت تديرها الكنيسة والحكومة لعقود. وقد أدى ذلك إلى تحوّل نبرة الاحتفال لدى بعض المجتمعات إلى وقفة صامتة لتكريم ضحايا تلك الحقبة والدعوة إلى المصالحة الوطنية.

ورغم هذه التحديات، لا يزال الأول من يوليو مناسبة جامعة للكنديين، وفرصة للاعتزاز بالمنجزات التي حققتها البلاد في مجالات متعددة، منها حقوق الإنسان، البيئة، التعليم، والرعاية الصحية. كما يعكس هذا اليوم التزام كندا المستمر بتعزيز قيم التسامح والمساواة والتنوع، وهي القيم التي تشكل جوهر النموذج الكندي في العالم.

في المدن الكبرى مثل تورونتو وفانكوفر ومونتريال، تواصلت الاحتفالات حتى ساعات متأخرة من الليل، حيث أضاءت الألعاب النارية سماء البلاد، واختلطت أصوات الموسيقى والهتافات في أجواء توحدت فيها المشاعر الوطنية بمختلف لغاتها ولهجاتها، لتؤكد أن كندا، رغم اتساعها الجغرافي وتنوعها السكاني، تبقى وطنًا واحدًا ينبض بالحياة والانتماء.