ضحايا في الظل: "زوجات المهاجرين" يرفعن الصوت لغد صمتٍ طويل2



فتحي الضبع 

تقرير خاص عن دراسة عربية  تكشف معاناة نساء تُركن خلف حدود الغياب

في أول دراسة عربية من نوعها، سلطت منظمة المرأة العربية بالشراكة مع الجمعية العربية لعلم الاجتماع الضوء على فئة مهمّشة وغير مرئية في الخطاب المجتمعي والبحثي: نساء المهاجرين الذين تركوا خلفهم زوجاتهم وأسرهم في بلدانهم الأصلية، بحثًا عن فرص عمل أو حياة أفضل. الدراسة التي حملت عنوان "ضحايا غير مرئيات: نساء المهاجرين المتروكات ورائهم"، جاءت كصرخة بحثية وإنسانية تعيد الاعتبار لقصص نساء عشن الغياب والتهميش والتحدي، بصمتٍ ومقاومة.

دراسة ميدانية في خمس دول عربية

قادت هذه الدراسة التنسيقية الأكاديمية الأستاذة الدكتورة دوللي الصراف، وشارك فيها نخبة من الأساتذة الباحثين في علم الاجتماع من دول عربية هي:

مصر: أ.د. سعيد المصري

تونس: أ.د. منصف القابسي

المغرب: أ.د. أسماء بنعدادة

الجزائر: أ.د. مصطفى مجهادي

لبنان: أ.د. دوللي الصراف

تناولت الدراسة حالات ميدانية حقيقية من خمس بلدان عربية تعتبر من بين أبرز بلدان المصدّرة للهجرة: مصر، لبنان، تونس، الجزائر، والمغرب، حيث تمت مقابلة نساء تركهن أزواجهن في مواجهة أعباء الحياة وحدهن، وغاب عنهن الدعم، سواء من الأهل أو المجتمع أو السياسات العامة.


وجوه غير مرئية... ومعاناة ملموسة

تكشف الدراسة عن معاناة نفسية واجتماعية واقتصادية عميقة لهؤلاء النساء، اللائي وجدن أنفسهن مضطرات للعب أدوار متعددة، داخل أسر باتت تفتقر للركن الأبوي الأساسي، وسط مجتمع لا يملك الأدوات الكافية للاعتراف بمعاناتهن أو دعمهن.

وتمحورت المقاربة البحثية حول جانبين رئيسيين:

التحليل النفسي-الاجتماعي: لفهم الأثر العاطفي والاجتماعي العميق على الزوجات.

التحليل الجندري: لإبراز دور الثقافة الذكورية والتقاليد في تعقيد وضع النساء المتروكات.

أسئلة تكشف المستور

الدراسة طرحت تساؤلات عميقة، منها:

كيف ترى الزوجة نفسها بعد رحيل الزوج؟

ما هي الأدوار الجديدة التي فرضت عليها؟

إلى أي مدى تشعر بالاغتراب في مجتمعها؟

كيف أثرت التحولات الاقتصادية على موقعها داخل الأسرة؟

وقد تم بناء دليل موحد للمقابلات، وتحليل النتائج ضمن أربعة أبعاد: النفسي، الأسري التربوي، الاجتماعي، والاقتصادي.

نتائج صادمة... ودعوات عاجلة

أظهرت النتائج أن النساء المتروكات يعانين من مشاعر الخوف، الحزن، الغضب، الشعور بعدم الأمان، فقدان المعنى، وانتظار طويل بلا أفق واضح. كما أبرزت الدراسة اختلالات داخل الأسر، من بينها تشوش أدوار الأب والأم، وتأثير غياب الأب على هوية الأبناء الجندرية.

وفي ظل غياب الدعم الكافي، تتحول هؤلاء النسوة إلى ضحايا غير مرئيات، يُطلب منهن الصبر دون شكوى، ويتحملن أعباء تفوق طاقتهن. وقد طالبت الدراسة بضرورة التدخل العاجل لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، والحد من إعادة إنتاج الثقافة الذكورية التي تكرّس هذا النوع من التهميش.

نحو وعي جديد.. وسياسات بديلة

توصي الدراسة بإطلاق حملات واستراتيجيات عربية مستدامة تستهدف الزوجات المتروكات، وتدمج واقعهن في السياسات الاجتماعية. كما تدعو إلى مراجعة المناهج التربوية والخطاب الإعلامي للحد من التنميط الجندري، الذي يرسم أدوارًا ثابتة للمرأة والرجل، ويعمّق من هشاشة النساء في غياب المعيل.

صرخة من قلب المعاناة

تُعد هذه الدراسة محاولة أولى لكسر الصمت حول معاناة مستترة. وهي دعوة مفتوحة للمجتمعات، والمؤسسات الأكاديمية، وصناع القرار، للإنصات لتلك الأصوات التي لم يسمعها أحد، ولكنها تحكي قصص الصبر والمقاومة اليومية.

فهل تُترجم هذه النتائج إلى سياسات؟ وهل يصبح هؤلاء "الضحايا غير المرئيات" مرئيات في وجدان المجتمع والسلطة؟