منظماتنا في الغرب تحت المجهر: ما لها وما عليها – بقلم السفير محمود الدبعي
نكتب إليكم اليوم بقلق صادق، ومسؤولية مشتركة، لنضع أمام أعيننا حقيقة لا مفر منها: المنظمة التي لا تحترم القيم التي تدّعي خدمتها، تُفقد المجتمع ثقته، وتخسر شرعيتها.
نحن نعمل في بيئات غربية تحتضن منظمات المجتمع المدني، وتؤمن بحرية التعبير، والشفافية، والمحاسبة، وتُقيم المؤسسات لا الأشخاص. ومع ذلك، فإن بعضًا من ممارساتنا الإدارية والتنظيمية تُظهر تناقضًا صارخًا مع هذه القيم، مما يجعلنا نُسيء تمثيل الرسالة التي نحملها، بل ونخالف قوانين البلدان التي منحتنا حق العمل تحت مظلتها.
حين تصبح المنظمة نسخة من الاستبداد الذي فررنا منه
لقد تأسست منظماتنا في الغرب لتكون صوتًا للحق، ملاذًا للمظلوم، وميدانًا حرًّا للفكر والعمل الإنساني. لكنها باتت – في بعض الحالات – تعاني من:
• شخصنة العمل: حيث يُختزل القرار في فرد أو مجموعة ضيقة، وتُدار الملفات بالأهواء لا بالمهنية.
تهميش الكفاءات: من يملك رأيًا مخالفًا يُقصى، ومن يقدّم نقدًا يُتهم، ومن يقول “لا” يُستبدل بمن يقول “نَعم” بصمت.
تقديس القيادات: وكأننا عدنا إلى نموذج الحاكم الفرد، الذي لا يُسأل ولا يُحاسب، وتُربط المؤسسة بشخصه لا برؤيتها.
غياب الشفافية: في التوظيف، والتمويل، والقرارات المصيرية، مما يعزز المحاباة ويفتح باب الفساد الناعم.
منظومتنا القانونية ليست خيارًا… إنها التزام
لنكن واضحين:
القوانين الغربية التي تعمل تحتها منظماتنا لا تُجامل.
التلاعب باللوائح، أو التضييق على العاملين، أو التمييز، أو العبث بالموارد = خرق قانوني يُحاسب عليه جنائيًا.
لا مكان في هذه البيئة لـ:
سياسات الولاء على حساب الكفاءة
إسكات الرأي بحجة “وحدة الصف”
تسييس العمل الإنساني لخدمة أجندات ضيقة
مطلوب: قيادة تحترم من حولها، لا تُرهِبهم
الإدارة الناجحة ليست تلك التي تطلب الطاعة العمياء، بل تلك التي:
تفرح باختلاف الآراء
تحتضن التنوع
تبني الثقة بين الفريق
تضع المؤسسية قبل الشخصية
لأن القيادة الحقيقية لا تخلق “أتباعًا”، بل تُخرّج قادة مستقلين، أحرارًا في رأيهم، أوفياء للمبدأ لا للمنصب.
رسالة لكل فرد: لا تخف من قول الحقيقة
إذا رأيت ظلمًا، تحدث.
إذا شعرت بالإقصاء، طالب بحقك.
إذا لاحظت انحرافًا، نبّه عليه.
المنظمة التي تخشى الصوت الصادق، لا تستحق ثقتك.
والإدارة التي تغلق باب الحوار، تفتح باب الفشل من حيث لا تدري.
دعوتنا: لنراجع أنفسنا، قبل أن يُراجعنا القانون أو التاريخ
لسنا ضد أحد، ولا نستهدف أشخاصًا.
بل نُدافع عن الفكرة التي من أجلها نعمل جميعًا.
دعونا نعيد الاعتبار للقيم التي حملناها من أوطاننا، ونُعيد ربط المنظمات بالمبدأ لا بالشخص، وبالشفافية لا بالسرية، وبالحق لا بالهوى.
فالمنظمات التي لا تتّسع لاختلافنا، ولا تحترم رأينا، ولا تصون كرامتنا — لن تبني مجتمعًا، ولن تحقق رسالة، ولن تدوم.
باسم كل من يعمل بصدق، ويصمتُ ألمًا، ويصبرُ حبًا لهذه الرسالة، نقول:
كفى. آن أوان التصحيح.
محمود الدبعي
رئيس المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة