السويداء على صفيح ساخن: صراع درزي–بدوي يُشعل تدخلًا إسرائيليًا ويهدد المرحلة الانتقالية في سوريا"
في مشهد يعكس تعقيدات المشهد السوري ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، تحولت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية إلى ساحة مواجهة دموية، شاركت فيها فصائل مسلحة محلية، عشائر بدوية، القوات الحكومية، وحتى الطيران الإسرائيلي.
استقلال نسبي وانفجار متوقع
ظلت السويداء طيلة سنوات الحرب السورية تحتفظ باستقلال نسبي، بعيدًا عن سيطرة مركزية مطلقة من دمشق، بفضل موقعها الجغرافي وتركيبتها السكانية المتماسكة. ومع بداية المرحلة الانتقالية بقيادة الرئيس الجديد أحمد الشرع، بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، برزت بوادر تمرد داخل المحافظة.
حكمت الهجري، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، أعلن صراحة رفضه الاعتراف بالحكومة الجديدة، وساند فصائل مسلحة محلية أبرزها “المجلس العسكري في السويداء”، وهي ميليشيا تحمل شبهات ارتباط بإسرائيل، وتحتفظ بترسانة ثقيلة من بقايا جيش النظام المنهار.
شرارة النزاع
في 11 يوليو 2025، هاجم مسلحون من عشائر بدوية شاحنة خضار على طريق دمشق–السويداء، ما أدى إلى رد فعل قاسٍ من ميليشيات درزية، أشعل سلسلة عمليات ثأرية متبادلة. سرعان ما تصاعدت الأحداث إلى اشتباكات شاملة خلّفت عشرات القتلى والجرحى.
تدخلت القوات الحكومية لمحاولة فرض الأمن، لكنها وقعت في كمين قاتل نصبته ميليشيات موالية للهجري. هذا الهجوم، الذي أسفر عن مقتل وأسر عدد من الجنود، فتح الباب لتدخل حكومي أوسع، إلا أن المواجهات استمرت، وسط خروقات متكررة للاتفاقات ومحاولات غدر، بحسب رواية مصادر حكومية.
إسرائيل تدخل الخط
في تطور خطير، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة غارات جوية مكثفة يوم 14 يوليو، استهدفت أكثر من 200 موقع داخل سوريا، من بينها مبنى الأركان العامة في دمشق. ورغم تذرع تل أبيب بحماية "الأقليات الدرزية"، إلا أن نطاق القصف وعمقه أوحى بأن الهدف أبعد من ذلك – محاولة لزعزعة الدولة السورية الوليدة.
وتزامنًا مع القصف، عبر مئات من دروز فلسطين إلى السويداء، مدفوعين بدعوات من قيادات درزية داخل إسرائيل، والتي مارست ضغطًا على حكومة بنيامين نتنياهو لتوسيع التدخل.
مجازر واتهامات ثقيلة
مع انسحاب القوات الحكومية من بعض مناطق السويداء، ارتكبت الميليشيات الدرزية مجازر بحق المدنيين البدو، شملت عمليات قتل جماعي وتهجير قسري. ووجهت وزارة الداخلية السورية اتهامات مباشرة للشيخ الهجري بـ"التخابر مع إسرائيل" وارتكاب "مجزرة مروعة" داخل مستشفى السويداء الوطني.
بلغ عدد القتلى من الجيش والأمن السوري نحو 150، إضافة إلى عشرات الضحايا المدنيين، في مشهد دموي غير مسبوق في تاريخ المحافظة.
اتفاق هش لوقف إطلاق النار
في 16 يوليو، وُقّع اتفاق تهدئة بين الحكومة السورية ووجهاء السويداء، تضمّن ثلاث نقاط رئيسية:
انسحاب القوات الحكومية من المدينة،
دمج الفصائل المحلية في وزارتي الدفاع والداخلية،
تسليم السلاح الثقيل من الطرفين.
لكن رغم هذا الاتفاق، بقيت بعض الأحياء ساحة اشتباكات متقطعة، فيما سيطرت العشائر على أجزاء واسعة من المدينة، في مؤشر على هشاشة التهدئة.
ختامًا، ما يجري في السويداء ليس مجرد نزاع محلي، بل يعكس ملامح الصراع على مستقبل سوريا الجديدة: بين قوى انفصالية، وعشائر تسعى للثأر، وتدخلات إقليمية تسابق الزمن لرسم خريطة النفوذ. وبين كل هذا، يبقى المدنيون هم الخاسر الأكبر.