حملة المناهضة لبناء المساجد: تهديد لحرية الدين وأسس الدولة القانونية... بقلم الدكتور محمود الدبعى
ستوكهولم
يشهد الخطاب السياسي في الآونة الأخيرة تصعيدًا مقلقًا من جانب حزب ديمقراطيو السويد بقيادة الرئيس جيمي اوكسون ، ولا سيما في ما يتعلق بمشروع بناء مسجد في شارهولمن جنوب العاصمة . إذ يسعى الحزب إلى إقناع الرأي العام بأن هذه المساجد تُموَّل من “أموال دافعي الضرائب”، ويعمل على ربطها – دون أدلة دامغة – بجهات خارجية أو مشبوهة. إن هذه المزاعم ليست سوى دعاية تخويفية تُستثمر لتأليب الجمهور وكسب أصوات انتخابية على حساب وحدة المجتمع واستقراره.
مكانة حرية الدين في النظام الدستوري السويدي
إن حرية الدين ركن أساسي وحق مصان دستوريًا في السويد. فقد نصّت “صكوك الحكم” (Regeringsformen) في بابها الثاني على أن حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية حقوق غير قابلة للمساس. وهذا المبدأ يشمل جميع الأديان من دون استثناء، بما في ذلك الإسلام.
ومن ثمّ، فإن بناء دور العبادة – مساجد كانت أو كنائس أو معابد – يُعدّ ممارسة طبيعية لهذا الحق الدستوري. ولا يمكن لأي مبادرة سياسية أو حملة حزبية أن تُحدّ من هذه الحرية إلا عبر تعديل دستوري، وهو أمر بالغ التعقيد في نظام ديمقراطي راسخ كالسويد.
طبيعة الدعم المقدَّم للطوائف الدينية
وفي ما يتصل بادعاءات الحزب بأن المساجد تُقام بأموال عامة، تجدر الإشارة إلى أن الدعم المخصَّص للطوائف الدينية يخضع لإشراف هيئة دعم الطوائف الدينية (SST)، ويُقدَّم على أسس موضوعية ومعايير محددة تشمل مختلف الأديان بلا استثناء. فالمساجد كما الكنائس والمعابد على السواء تخضع للإطار ذاته من القواعد.
إن هذا النهج لا يشكّل تمييزًا إيجابيًا لصالح المسلمين، بل يترجم عمليًا مبدأ المساواة أمام القانون، ويعكس حيادية الدولة إزاء الأديان بوصفها علامة من علامات رسوخها الديمقراطي.
المخاطر على الديمقراطية ودولة القانون
إن محاولات الحزب جمع التواقيع لمنع بناء مسجد في شارهولمن جنوب العاصمة ، هي ممارسة تخالف جوهر الدولة القانونية السويدية، التي تأسست على سيادة القانون لا على المزاج الشعبي أو حملات التحريض.
والإصرار على إحلال ضغط الشارع محل القانون، والتلاعب بمخاوف المواطنين ليحل “حُكم الغوغاء” محل “حُكم المؤسسات”، يشكّل خطرًا مباشرًا على القيم الديمقراطية التي ما برحت تشكّل الإطار الجامع للمجتمع السويدي.
حرية الدين هوية سويدية
إن ممارسة الشعائر الدينية – سواء في كنيسة أو مسجد أو كنيس يهودي ، ليست مجرد شأن خاص بالجماعات الدينية، بل هي ركيزة من ركائز الهوية السويدية كأمة حرة. إن حرمان المواطنين المسلمين من هذا الحق لا يعبّر فقط عن تمييز ديني صريح، بل يمثّل كذلك خرقًا للمعايير القيمية التي تلتزم بها السويد على الصعيدين الوطني والدولي.
إن الحملة التي يقودها حزب ديمقراطيو السويد ضد بناء المساجد لا يمكن اعتبارها دفاعًا عن الدولة أو مصالحها، بل هي في حقيقتها اعتداء مباشر على الأسس التي يقوم عليها المجتمع السويدي: الديمقراطية، سيادة القانون، واحترام الكرامة الإنسانية.
وعليه، فإن الواجب يحتم التأكيد بوضوح:
• إن بناء المساجد حق دستوري لا يُمس.
• وإن حرية الدين قيمة مطلقة لا تقبل المساومة.
• وإن السويد يجب أن تظلّ محكومة بالقوانين والعدالة، لا بخطابات الكراهية و نشر ثقافة الاسلاموفوبيا ولا بدعايات التفريق بين مكونات المجتمع السويدي و بهذا وحده تظلّ السويد وفيّة لمبادئها، ووفية لصورتها كأمة حرة ديمقراطية قائمة على المساواة والكرامة الإنسانية .
المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة