الإعلامى إكرامى هاشم يكتب"حين يُعاقَب النجاح: إقالة الدكتورة رانيا يحي ونهاية حلم الثقافة المصرية في أوروبا"


روما

في لحظة نادرة يتقدّم فيها العقل المصري الحقيقي ليصنع فارقاً، وبدلاً من أن يُكافأ على نجاحه، يجد نفسه مستهدفاً من ماكينة محسوبية تُدار بعقلية “المماليك”، لا بعقل الجمهورية الجديدة التي نُبشّر بها إعلامياً.

قرار وزير الثقافة أحمد هنو بإقالة الدكتورة رانيا يحي من إدارة الأكاديمية المصرية للفنون في روما، دون مبرر موضوعي أو إخلال وظيفي، لم يكن فقط صفعة على وجه الكفاءة، بل تعبير فاضح عن نهج إقصائي لا يحتمل من ينجح خارج دائرة الولاءات الضيقة.

الدكتورة رانيا يحي: بصمة ذهبية في المشهد الثقافي

منذ توليها إدارة الأكاديمية عام 2023، أعادت الدكتورة رانيا الحياة إلى جدرانها، فحوّلتها من مؤسسة شبه منسية إلى مشعل ثقافي يضيء قلب العاصمة الإيطالية.

تاريخها المهني يشهد لها: فنانة مبدعة، أكاديمية مرموقة، دكتورة في النقد الفني، وعضو بالمجلس القومي للمرأة والمجلس الأعلى للثقافة.

نجحت في تقديم فعالية ثقافية كل أسبوع دون انقطاع، شملت عروضاً فنية، ندوات، أمسيات شعرية، ومعارض تشكيلية، ما جذب اهتمام المجتمع الإيطالي، وأعاد الاعتبار للثقافة المصرية في أوروبا، وأعاد للجالية المصرية شعوراً بالفخر الذي طال غيابه.

تعيينات من خارج النص: الكافيهات مستشاراً للثقافة!

وبينما كانت الأكاديمية تتألق في روما، كان الوزير في القاهرة يُحاط بمستشارين لا صلة لهم بالثقافة أو الفكر، بل إن أحد أقرب مستشاريه هو صاحب كافيهات وكباريهات معروفة، شخص لا يمت بأي صلة للثقافة إلا على طريقة النوادي الليلية.

فهل أصبح معيار العمل الثقافي هو عدد “الترابيزات” لا عدد الجوائز؟

هل تحوّلت وزارة الثقافة إلى امتداد لغرف الدخان والمشروبات؟

إذا كان الوزير لا يرى غضاضة في اختيار صاحب “البارات” مستشاراً له، فليس غريباً أن يقصي منيرة حقيقية مثل الدكتورة رانيا، لأنها ببساطة لا تنتمي إلى هذا الوسط ولا تقبل الانخراط في ما لا يشبهها.

فضيحة “الفاعلية المجهولة”: فشل وتمثيلية رخيصة

من بين مبررات الحملة المضادة ضد الدكتورة رانيا، ما ساقه أحد الفاشلين الذين عُرفوا بكونهم “مشخصاتية” لا أكثر، حيث زعم أن الدكتورة تسببت في فشل فاعلية كان قد حضرها في روما رفقة عدد من الفنانين مثل لبلبة وعمر خيرت.

والحقيقة، كما يرويها شهود من الجالية المصرية، أن هؤلاء جاؤوا بدعوة من جمعية لا وجود قانوني لها — “جمعية بير السلم” لا مقر ولا تنظيم ولا جمهور — وكانوا على وشك فضيحة كبرى بعد أن تبيّن أن لا مكان لديهم لإقامة الفعالية، ولا جمهور ينتظرهم.

فمن أنقذهم؟ الدكتورة رانيا.

وبتدخل مباشر من شخصيات من الجالية، وافقت ـ من باب الفضل ـ على إعارتهم مسرح الأكاديمية حتى لا يُهانوا. لم تكن الأكاديمية طرفاً رسمياً، ولم يكن من المقبول أن تُنسب الفعالية إليها.

ورغم ذلك، أطلقوا حملتهم المشبوهة ضدها، لأن الدكتورة ببساطة رفضت إعارتهم سيارات الأكاديمية، التي هي أموال شعب، لا وسيلة لنقل “ضيوف بير السلم”.

بل إن الحاضرين فوجئوا بعدم وجود جمهور في القاعة، وتحول المشهد إلى مهزلة، حيث اضطر من يسمون أنفسهم ضيوفاً إلى الجلوس على المقاعد في دور الجمهور، ثم الصعود مجدداً إلى المسرح في دور المتحدث، فيما عُرفت بين الجالية بـ”فاعلية أم دورين”.

فهل نلوم من سعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أم من دعى، وروّج، ولم يستطع جمع عشرة أشخاص؟

والأسوأ: تساؤلات مقلقة حول غطاء لعبور غير شرعي

أكثر ما يثير القلق في تلك الواقعة أن بعض النشطاء من الجالية المصرية أثاروا شكوكاً جدية بأن تلك الفعالية كانت غطاءً لتمرير أفراد بشكل غير شرعي إلى إيطاليا، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لتساؤلات قانونية وأمنية خطيرة.

هل كان الفن مجرد واجهة؟

وهل تم استخدام بعض الفنانين المصريين دون علمهم كأدوات في مشهد مريب؟

خاتمة: لا تُطفئوا النور إن أضاء

إن ما جرى مع الدكتورة رانيا يحي هو نموذج صارخ لكيفية إعدام النجاح في هذا البلد، لا لأنه فشل، بل لأنه أضاء.

والمُحزن أن من يطفئ النور، هو من أُنيط به إشعاله.

فلتكن رسالتنا واضحة: مصر الثقافية لا تُدار من كافيهات وسط البلد، ولا من موائد الولاء الشخصي.

هي تُبنى بالكفاءة، بالعلم، بالشخصيات التي تشبه حضارتها، مثل الدكتورة رانيا يحي