من بغداد إلى المنامة: حكاية "مسعودة" اليهودية التي أسلمت وعاشت بين البحرينيين
المنامة
مطلع القرن العشرين، شهدت البحرين وصول عدد من العائلات اليهودية المهاجرة من العراق وإيران، استقرت في العاصمة المنامة، تحديداً بمنطقة الحورة. من بين هذه العائلات كانت أسرة شاؤول أبو مزيكا القادمة من بغداد مع زوجته وابنتهما الوحيدة "مسعودة".
عُرفت مسعودة بجمالها وثقافتها الرفيعة، إذ درست في مدارس عراقية راقية خاضعة للإدارة البريطانية، وأتقنت أكثر من لغة. عمل والدها في تجارة الذهب، بينما امتهنت هي ووالدتها الخياطة والتطريز، خصوصاً في صناعة أثواب "النشل" التقليدية. من خلال هذه المهنة، توطدت صلات العائلة بالمجتمع البحريني.
لكن في سن السابعة عشرة، قلبت مسعودة الموازين بإعلان إسلامها، ما أثار صدمة كبيرة لدى والديها اللذين عارضا قرارها بشدة، حتى وصل الأمر إلى محاولات تعذيبها ومنع الطعام عنها. كما تدخل المستشار البريطاني في البحرين آنذاك، تشارلز بلجريف، لإقناعها بالعودة إلى اليهودية، لكنها تمسكت بقرارها قائلة: "لن أرجع عن ديني الجديد ولو تم تقطيعي إلى أشلاء".
انتشر الخبر سريعاً في البحرين، فتدخل الحاكم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة رحمه الله، وطلب من والدها أن تنتقل ابنته لتعيش في قصره معززة مكرمة. لاحقاً، تزوجت مسعودة من التاجر البحريني محمد علي أمين العوضي، وعادت إلى منطقة الحورة حيث اشتهرت بين الأطفال بكرمها ونصحها الدائم لهم بالمحافظة على الصلاة وحفظ القرآن.
وعندما توفي زوجها، خصصت جزءاً من ثروتها للأيتام وتحفيظ القرآن الكريم. كما اشتهرت بموقفها الرافض لقيام دولة إسرائيل عام 1948، محذّرة من "المجازر التي سيرتكبها اليهود في فلسطين"، وهو ما وقع بالفعل بعد أسابيع قليلة بمجزرة دير ياسين.
قضت مسعودة سنواتها الأخيرة في دار المسنين، ملتزمة بحجابها منذ يوم إسلامها وحتى وفاتها، تاركة ثلاث وصايا: التمسك بالقرآن، تربية الأبناء على الدين، وأن تُدفن في مقابر المسلمين.
رحلت "مسعودة شاؤول" تاركة سيرة إنسانية غنية، ما زالت تروى في الذاكرة البحرينية حتى اليوم.