الكراهية… ضعفٌ يتنكّر في ثوب القوّة ‎بقلم: محمود الدبعي



‎منذ سنوات، يشهد المشهد السياسي في السويد تصاعدًا واضحًا لنغمة اليمين المتشدّد والقوميين المتطرفين. خطاب يرفع شعارات الهوية والوطن، لكنه في جوهره لا يغتذي إلا من معاداة الآخر، وبالأخص العرب والمسلمين. وفي الوقت الذي تعاني فيه المجتمعات من تحديات حقيقية كالبطالة والتحولات الاقتصادية، يفضّل البعض أن يقدّم للناس عدوًّا وهميًا يسهل مهاجمته، بدلًا من مواجهة الحقائق بشجاعة.

‎ولعلّ السؤال الأبرز الذي يفرض نفسه: لماذا يلجأ هؤلاء إلى تشويه المختلف عنهم؟ الجواب أعمق من السياسة وحدها؛ إنه يمتدّ إلى بنية النفس الإنسانية ذاتها. كثير من هؤلاء يملكون عجزًا داخليًا يُترجَم إلى حقدٍ علني. فلا يجدون لهم موطئ قدم في سجل الفضيلة، فيرضون أن يكونوا على هامشها، ثم يُطفئون نار فشلهم عبر إذكاء نار الكراهية.

‎إن علم النفس يفسّر ذلك بـ الإسقاط الدفاعي: أن يلبس الإنسان الآخرين ثوب عيوبه ليحتمي من مواجهة ضعفه. وهكذا يتحول الفاشل عن البناء إلى ناقد هدّام، يظنّ أن الحطّ من قدر الصالحين يُعوّض نقصه الداخلي. وقد جاء وصف هذا المرض النفسي صريحًا في كتاب الله:

﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ النساء: 54،

فالذي يحسد غيره في الحقيقة لا ينازعهم فحسب، بل يعترض على مشيئة الله واعترافه الخفيّ بعجزه وقصوره.

‎والتاريخ شاهدٌ لا يتبدّل؛ فما من نبيّ أو حكيم أو عالم إلا واجه سهام الافتراء والاتهام الباطل. هم لم يُهاجَموا لجرمٍ ارتكبوه، بل لأن نورهم كان يفضح ظلم الآخرين. وما أشبه هؤلاء المتربصين بالغراب حين يعجز عن محاكاة تغريد البلبل، فلا يجد سوى النعيق سبيلًا لإسكات الجمال.

‎إنها مفارقة مأساوية في الطبيعة البشرية: الفضيلة لا تُقابَل بالتصفيق دائمًا، بل كثيرًا ما تستفزّ الكراهية. لكن مع ذلك، فإن للزمن حكمه العادل: يظل أثر الشرفاء خالدًا كالنقش في الحجر، بينما يذوب الحاقدون والجاحدون كما يذوب الزبد على سطح الماء.

‎وليس علم النفس وحده من كشف هذا العجز؛ بل علماء الاجتماع والسياسة أيضًا. فالطبيب النفسي السويدي يوهان كولبَرغ أشار إلى أن الكراهية ليست إلا صرخة هوية هشّة فاقدة للثقة، بينما يرى رائد علم النفس الاجتماعي غوردون ألبورت أن التعصّب والحقد وليدان لشعور داخلي بالنقص والقصور عن معاملة الآخر بالندية. إنها ببساطة انعكاس لضعف متخفٍّ في ثوب القوّة.

‎وجاء الهدي النبوي مُصحّحًا للبوصلة الأخلاقية حين قال رسول الله ﷺ:

“لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواه البخاري ومسلم.

‎وهذا الحديث يختصر جوهر المشكلة: من لم يتخلّق بمحبة الخير للآخرين، لن يعرف طعم الإيمان الحق، وسيبقى أسير حقدٍ يعمي بصيرته ويأكل قلبه كما تأكل النار الحطب.

‎وفي خاتمة المطاف، يبقى وعد الله صريحًا واضحًا:

﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ الإسراء: 81.

‎فالباطل زائلٌ مهما علا صخبه، والحق باقٍ مهما طال الطريق.