إيلون ماسك ورفاقه في "آن أوان المحاكمة"

 



أحمد فاضل 

تشكل جائزة "ماسك ورفاقه" (The Musk & Co. Award) إحدى الركائز الرمزية في أحدث رواية للكاتب والصحفي المصري بسام عبد السميع، الصادرة باللغتين العربية والإنجليزية عبر منصة  Amazon.com، حيث حملت النسخة العربية عنوان "آن أوان المحاكمة" والنسخة الإنجليزية عنوان "The Time for The Trial".

تصف الرواية الجائزة بأنها جائزة للمستقبل، لا تحتفي بالماضي ولا تكافئ من يكرر الإنجاز، بل تكرّم من يعيد ابتكار الفكر ويجرؤ على إعادة تشكيل الغد. وتتنبأ الرواية بأن الجائزة سيطلقها تحالف يطلق على نفسه "مهندسو الإنسان القادم"، ويضم شخصيات بارزة مثل:

إيلون ماسك (Neuralink/SpaceX)، بيتر تيل (Palantir)، سام ألتمان (OpenAI/Worldcoin)، وجيف بيزوس (Blue Origin/AWS).


وتقول الرواية : يؤمن هؤلاء بأن الوعي البشري قابل للبرمجة، وأن الخلاص لن يأتي من التأمل أو الطقوس القديمة، بل من الاتصال بالشبكات والشرائح الرقمية. وتُمنح الجائزة لمن يخلق فرصًا جديدة ويعيد تعريف الواقع وفق معايير ما بعد الإنسانية.

كما تتضمن الرواية وثائق رمزية أخرى مثل "شهادة ميلاد الشريحة الرقمية" و"هيئة رفات الموتى الرقميين"، "بروتوكول نقل الأعضاء الرقمية"، "الإنسان المعزز"، و"جيل النيوهيومنز"، وذلك في إطار يفتح الباب لتأمل علاقة الإنسان بالتقنية والمستقبل.

الرواية ليست مجرد حكاية سردية، بل منصة فكرية تهدف إلى تفكيك المسلّمات ومساءلة الذات وإعادة النظر في المستقبل من منظور جديد، حيث تتحول النهاية إلى بداية لسلسلة جديدة من الأسئلة. وتقدم الرواية حبكة درامية تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، وتجعل السؤال نفسه بطل الرواية، في دعوة للقارئ لإعادة التفكير في كل ما يعتبره حقيقة ثابتة.


أسقطت "آن أوان المحاكمة" الجدران الثمانية في الرواية تباعًا: بين الكاتب ونصه، بين القارئ والشخصية، بين الزمن والذاكرة، بين المسرح والرواية، بين الفلسفة والحياة، بين السؤال والإجابة، بين الواقع والمتخيَّل، وأخيرًا بين الهوية والمرآة. 

وبهذا الإسقاط  لم تعد الرواية نصًا للحكاية، بل فضاء مفتوح للوعي، تُمحى فيه الحواجز التقليدية بين الكاتب والقارئ والزمن والفلسفة. وفي قاعة بلا جدران، تتحول القراءة إلى جلسة محاكمة جديدة، ويصبح كل قارئ شاهدًا لم يُستدعَ بعد.

ويؤسس الكاتب عبر روايته "آن أوان المحاكمة"، تيارا جديدا في الكتابة الأدبية يحمل اسم: "الرواية الاستقصائية التفاعلية"، ضمن نص يحاكم الفكر الإنساني بلغة تمزج بين التحقيق الصحفي والسرد الأدبي.

"آن أوان المحاكمة" تستدعي 30 فيلسوفًا على امتداد ثلاثة آلاف عام، للمحاكمة، ومشاركة 100 شخصية فكرية وتاريخية، وهي أول رواية يحاكم الكاتب فيها نفسه قبل محاكمة الآخرين، فلا يكتفي الكاتب بالتأليف بل يتحول إلى الاعتراف، فيما يجد القارئ نفسه على لائحة المتهمين، ويجتمع بوذا وفوكوياما في قاعة واحدة دون أن يثير الأمر دهشة. 

وتطرح الرواية تيار فلسفيا جديدا يحمل اسم:" الفلسفة الفسيفسائية" التي ترى أن الحقيقة الكاملة ليست ملكًا لأحد، بل لوحة من التناقضات، لا تكتمل إلا حين يضمها إطار واحد لتصبح صورة الحقيقة.

يمزج سرد الرواية بين الواقع والرمز، الحقيقة والخيال، في بناء درامي يجمع الفلاسفة والشخصيات التاريخية والكيانات المعاصرة مثل "الإنسان المعزز" و"البشر الجدد" و"الذكاء الاصطناعي"، ليجد القارئ نفسه مشاركًا كقاضٍ وشاهد ومتهم في الوقت نفسه، مما يجعل التجربة تفاعلية وفكرية.

وتزدان الرواية بسجلات رمزية غير مسبوقة، أبرزها التقويم التقني المكوَّن من 364 يومًا، موزعة على 13 شهرًا متساوية، كل منها يحتوي على 28 يومًا تبدأ بيوم السبت وتنتهي بيوم الجمعة، في دورة زمنية مثالية تعكس رؤية فلسفية لإعادة صياغة علاقة الإنسان بالزمن بما يتوافق مع متطلبات العصر الرقمي.

إن "آن أوان المحاكمة" ليست مجرد عمل أدبي، بل تجربة فكرية عميقة تجعل القارئ جزءًا من حوار يمتد عبر العصور، وتدعوه إلى طرح أسئلة جديدة حول الحقيقة والزمن والحرية. إنها رواية تسعى لأن تبقى حاضرة في الذاكرة لا كقصة تُروى فحسب، بل كنداء دائم لإعادة اكتشاف المعنى.

الرواية تحاكم أفكار تشكل وعينا. والشخصيات ليسوا وجوهًا من التاريخ، بل مرايا للحاضر، ورموز لتناقضات لم تُحل، وأسئلة لا تزال تتناسل من بوذا إلى فوكوياما، ومن كونفوشيوس إلى سيمون دي بوفوار، يجتمعون في قاعة واحدة لا بصفتهم رموزًا، بل شهودًا على ما صنعت أفكارهم بالعالم.

تتساءل "آن أوان المحاكمة" عن دور هؤلاء الفلاسفة: هل خدموا الإنسان حقًا، أم صنعوا له سجونًا من ذهب؟ هل كانت كلماتهم أجنحة؟ أم قيودًا صاغتها البلاغة باسم الفضيلة؟

وهل كان سقراط نبيًا للوعي أم طليعة الفوضى؟ هل كان نيتشه خلاصًا من الموروث، أم تبريرًا لقوة بلا رحمة؟ هل كانت فلسفة كونفوشيوس أخلاقًا أم طاعة؟ هل الجندر بيولوجيا أم أداء اجتماعي؟ هل أنقذ ديكارت الإنسان، أم أسّس لانفصاله عن العالم؟

وماذا عن الغزالي؟ هل وأد العقل؟ أم أعاده إلى قلب الدين؟ وهل إدوارد سعيد حرر الشرق، أم رسمه من جديد بلغة الآخر؟ وهل كان دوستويفسكي يكتب الروح، أم يروي تمزقها؟ وهل أنهي فوكوياما التاريخ، أم أغفل وجوهه الخفية؟

الرواية تشكل مساءلة للضمير البشري وتطرح أخطر سؤال: من يملك الحقيقة؟ ومن يحق له أن يحاكم من؟ قائلة: إن كل تيار يدعى امتلاك الطريق إلى الحقيقة لكنها تظل أوسع من كل تلك العناوين.

كما تستعرض بأسلوب تأملي درامي صراع الإنسان بين العقل والروح، التقنية والإيمان، القانون والضمير، وتطرح أسئلة وجودية تتجاوز الزمان والمكان، لتصل إلى جوهر السؤال: ماذا يعني أن نكون إنسانا؟

الكاتب بسام عبد السميع صحفي وروائي حائز على عدة جوائز منها جائزة الصحافة العربية 2017 وجائزة الإبداع الصحفي 2006، وله أكثر من 17 كتابًا من بينها: مسافر في زمن، صرخة 2020، الحج الاستثنائي، استعادة الذات، رحلتي مع النووي، دولة الروبوت، وخطيئة العمر.