تطبيع خارج الأضواء.. خريطة جديدة من القوقاز إلى البلقان

 

ما بعد الخليج والمشرق: مسرح جديد للتقارب مع إسرائيل


فتحي الضبع 

بينما يتركز الحديث عادةً عن اتفاقات أبراهام وخليج يفتح أبوابه أمام إسرائيل، تتشكل بهدوء خريطة تطبيع موازية في أوروبا الشرقية والقوقاز. دول ذات غالبية مسلمة مثل أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان وألبانيا وكوسوفو، ترسم مسارًا مختلفًا، يقوم على "التطبيع الشعبي" أكثر من الاكتفاء بالاعتراف الرسمي.

من النفط إلى الطائرات المسيّرة: تحالف استراتيجي أذربيجاني – إسرائيلي

أذربيجان تُعد الحليف الأقرب لإسرائيل في العالم الإسلامي.

55% من احتياجات تل أبيب النفطية تأتي من باكو.

في المقابل، حصلت أذربيجان على أسلحة متطورة شكّلت 69% من وارداتها بين 2016 و2021، ولعبت دورًا حاسمًا في حسم حرب ناغورنو كاراباخ الثانية.

وجود جالية يهودية قديمة في باكو ساعد أيضًا في تليين الموقف الشعبي، ما جعل العلاقة أكثر رسوخًا.

كازاخستان.. نفط وسوق يتوسع

كازاخستان بدورها أصبحت لاعبًا محوريًا في تزويد إسرائيل بالنفط، إذ تستورد الأخيرة نحو ربع احتياجاتها النفطية من أستانا. حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ عام 2024 نحو 236 مليون دولار، مع توسع في مجالات الطاقة والمواد الخام.

ألبانيا وكوسوفو: إرث إنساني وتطبيع بلا تردد

ف ألبانيا، التطبيع يتجاوز السياسة ليُدرج في المناهج التعليمية والمبادرات الثقافية.

الإرث الإنساني للألبان الذين أنقذوا اليهود خلال الحرب العالمية الثانية خلق قاعدة عاطفية إيجابية تُستثمر في بناء جسور مع إسرائيل. اليوم، ألبانيا ثالث أكبر مورد لزيت الوقود لتل أبيب.

أما كوسوفو، فذهبت أبعد من الجميع:

افتتحت أول سفارة لدولة مسلمة في القدس عام 2021.

وقعت اتفاقية إلغاء التأشيرات في 2024، ما عزز حركة السياحة والتبادل البشري.

ذكريات الحرب مع صربيا ودعم إسرائيل الإنساني وقتها، ما تزال حاضرة في الذاكرة الكوسوفية وتدفع العلاقات للأمام.

التطبيع الشعبي.. الضمانة الغائبة في العالم العربي

الخبير الإقليمي فؤاد شهبازوف يرى أن الاتفاقات الحكومية وحدها عاجزة عن خلق سلام دائم، مستشهدًا بتجارب مصر والأردن حيث بقي السلام حبيس النخب.

لكن في القوقاز والبلقان، هناك رهان على المجتمع المدني والثقافة والتاريخ المشترك كمدخل لاستدامة العلاقات.

 شرق جديد يرسم معادلات التطبيع

ما يجري في باكو وتيرانا وبريشتينا ليس مجرد تجارة نفط وسلاح، بل محاولة لتطبيع يُزرع في الذاكرة الشعبية، ويُقدَّم كجزء من هوية وطنية جديدة.

نجاح هذه التجارب قد يضع ضغوطًا غير مباشرة على الدول الإسلامية والعربية الرافضة، ويفتح الباب أمام مشهد دبلوماسي مغاير في السنوات المقبلة.