"اليد الطولى: كيف نقل الموساد حروبه إلى العواصم البعيدة"
اغتيالات بطابع هوليوودي: حين تحولت العواصم الأوروبية إلى مسرح للموساد"
"العملاء الذين خُذلوا: وجوه احترقت في لعبة استخباراتية قاسية"
"نساء في الظل: جاذبية وخداع على طريقة الموساد"
"الهوية المستعارة: جوازات السفر كأخطر سلاح في حقيبة الجاسوس"
"بين باريس ودبي: بصمة الموساد في عمليات هزّت العالم"ذ
"الجدل الأخلاقي: من حماية وطن إلى دولة فوق القانون"
خاص
فتحي الضبع
في شوارع تل أبيب، حيث يعج المقهى بضجيج الحياة اليومية، لا يعرف كثيرون أن جهازًا يضم سبعة آلاف موظف يعمل بصمت وراء الكواليس، يُعتبر ثاني أكبر جهاز استخبارات غربي بعد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. إنه الموساد، الاسم الذي ارتبط بالجرأة، بالظل، وبعمليات اخترقت حدود القوانين الدولية.
رجال في الظل
منذ تأسيسه في أربعينيات القرن الماضي، حمل الموساد على عاتقه مهمة "حماية إسرائيل خارج حدودها". لكن قصصه الأكثر إثارة لا تروى على صفحات البيانات الرسمية، بل في حكايات العملاء الذين عاشوا بين الولاء والخيانة.
من أبرز هؤلاء إيلي كوهين، المصري المولد، الذي تسلل إلى قلب دمشق، ونجح في خداع النخبة السياسية والعسكرية السورية حتى جلس في مقاعد البرلمان. نهاية حكايته كانت مأساوية: حبل المشنقة في ساحة المرجة عام 1965.
بعده بسنوات، ظهر اسم آخر أثار الجدل: أشرف مروان، صهر الرئيس جمال عبد الناصر، ورجل أسرار الرئيس أنور السادات. ظل الغموض يحيط بدوره، بين من يراه "أعظم عميل للموساد" ومن يعتبره "خائنًا مزدوجًا" لعب لعبته الخاصة.
وجوه نسائية في اللعبة
لم تكن الحكاية حكرًا على الرجال.
إيريكا تشامبرز، الشابة البريطانية التي عُرفت باسم "العميلة بينيلوب"، نفذت واحدة من أشهر عمليات الموساد حين شاركت في اغتيال علي حسن سلامة، قائد منظمة "سبتمبر الأسود"، في بيروت عام 1979.
أما عليزة ماجين، فقد شقّت طريقها لتصبح أول امرأة تصل إلى منصب نائب مدير الموساد في التسعينيات، تاركة بصمتها على عمليات اغتيال وملاحقات سرية.
الصحافة كغطاء
في عالم الاستخبارات، ليست كل الكاميرات بريئة.
الموساد كثيرًا ما لجأ إلى مهنة الصحافة كغطاء آمن لجمع المعلومات. المصورة الجنوب إفريقية سيلفيا رافائيل قدّمت نفسها كصحفية، لكنها كانت في الواقع تتعقب شخصيات فلسطينية في أوروبا ضمن "عملية غضب الله". تقارير حديثة أيضًا لمّحت إلى أن صحفيين غربيين وعرب وجدوا أنفسهم، طوعًا أو إكراهًا، في خدمة الجهاز أو متأثرين بشبكاته.
الجانب المظلم
وراء هذه العمليات التي تشبه مسلسلات التشويق، هناك اتهامات أشد قتامة.
تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية وثّقت استخدام أجهزة إسرائيلية – بينها الموساد – لأساليب استجواب قاسية تصل إلى حدّ التعذيب، خصوصًا ضد المعتقلين الفلسطينيين. ورغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية حظرت التعذيب رسميًا عام 1999، بقيت ثغرة "الضرورة الأمنية" ذريعة تُبقي الباب مفتوحًا لممارسات جدلية.
معادلة الاستقطاب: MICE
في النهاية، يبقى السؤال: كيف يستقطب الموساد عملاءه؟
الجواب يكمن في معادلة قديمة: MICE. المال يغري ضعاف النفوس. الإيديولوجيا تستميل المؤمنين. التهديد يجبر الخائفين. أما الأنا، فتعطي للبعض شعورًا بأهمية استثنائية.
من هنا تنسج الوكالة خيوطها، لتصنع شبكة عالمية من العملاء؛ بعضهم يختفي في الظل، وبعضهم يسطع كاسم خالد في تاريخ الجاسوسية.
بين الواقع والدراما
ومثلما تُعرض قصص الموساد اليوم على منصات البث العالمية في مسلسلات مثل "فوضى" و"الجاسوس" و"طهران"، يبقى الجهاز محاطًا بهالة من الغموض. لكنه غموض يحمل في طياته قصص خيانة ودماء، وأسئلة معلقة عن الأخلاق وحدود اللعبة الاستخباراتية.
1. فضيحة ليلهامر (1973)
عملية اغتيال فاشلة في النرويج، حين قتلت خلية من عملاء الموساد نادلًا مغربيًا بالخطأ ظنًّا أنه القيادي الفلسطيني علي حسن سلامة. الفضيحة أدت لاعتقال عدد من العملاء وكشفت هشاشة "اليد الطولى" للموساد.
2. عملية ميونيخ وما تلاها ("غضب الله")
بعد هجوم ميونيخ عام 1972، أطلق الموساد حملة اغتيالات ضد قادة "أيلول الأسود" ومنظمة التحرير الفلسطينية في أوروبا والشرق الأوسط. من أشهرها اغتيال وائل زعيتر في روما وسيلفيو حمدان في باريس. هذه العمليات حولت شوارع أوروبا إلى "مسرح دموي".
3. اغتيال محمود المبحوح في دبي (2010)
عملية أثارت ضجة عالمية بعد كشف تسجيلات الكاميرات الأمنية في الفنادق. عشرات العملاء دخلوا بجوازات سفر أوروبية مزورة، لكن تسريبات الفيديو جعلت العملية مادة دسمة للصحافة العالمية، وكشفت أساليب الموساد الحديثة في التنقل والتخفي.
4. جوازات السفر كأداة مركزية
الموساد اشتهر باستخدام جوازات سفر مزورة (خصوصًا أوروبية وكندية)، ما وضع حكومات غربية في مواجهة دبلوماسية محرجة بعد كشف تورط جوازاتها في عمليات اغتيال وتهريب.
5. العالم العلمي أيضًا هدف
خلال الثمانينيات والتسعينيات، قاد الموساد عمليات اغتيال استهدفت علماء عراقيين وإيرانيين مرتبطين ببرامج نووية. في إيران، قُتل علماء في عمليات دقيقة باستخدام دراجات نارية وقنابل مغناطيسية.
6. العملاء الذين انتهوا ضحية
بعض العملاء العرب الذين جندهم الموساد انتهت حياتهم مأساوية بعد كشف أمرهم. قصة ماركوس كلينبرغ (عالِم يهودي – بولندي الأصل) مثلًا تفضح الوجه الآخر: عمل سرًا للمخابرات السوفيتية بينما كان مقربًا من الأوساط الأمنية الإسرائيلية، فشكّل أكبر خرق أمني في تاريخ الموساد.