الوطن والمواطنة واحترام خصوصية الفرد بقلم: محمود الدبعي





استكهولم

إنّ المواطنة، حين تُبنى على أصولٍ راسخة من القيم الإسلامية والإنسانية، لا تعني الانغلاق ولا الذوبان، بل تُجسِّد ذلك التوازن النبيل بين الأصالة والانفتاح. خذ من حضارة الغرب جوهرها لا بريقها، واستفد من علومهم وعملهم لا من مظاهرهم وأضوائهم، فالمجتمعات التي أبهرتنا بتقدّمها المادي لا تُعلي قدر من يتنازل عن جذوره، بل تحترم من يحافظ على هويته ويثبت وجوده بجهده وإنجازه.

المواطنة الحقّة ليست تخليًا عن الذات ولا مساومة على القيم، بل هي سلوكٌ واعٍ، يُثبت فيه الإنسان انتماءه بعمله الصادق، وإسهامه البنّاء في المجتمع الذي يعيش فيه. ففي السويد، مثلًا، الفضاء يتّسع لكل من يحترم القانون، ويقدّر النظام، ويجتهد في أن يكون عنصرًا فاعلًا في الخير العام. لا يُسألك الناس عن دينك لتبرهن على إيمانك، بل عن التزامك، وإبداعك، وما تضيفه من قيمة للمجتمع. أما العنصريون وأصحاب النظرة الضيقة، فليسوا إلا فقاعاتٍ في فنجان، لا تلبث أن تتلاشى مع أول نسمة وعيٍ وإنصاف.

على المثقفين والمستنيرين أن يتعاملوا مع الغرب بثقة العارف لا بعقدة النقص، وببصيرة الحكيم لا بعين المقلّد. فخير ما يقدّمه الإنسان للعالم أن يظل وفيًّا لجذوره، معتزًّا بثقافته، وفي الوقت نفسه مواطنًا صالحًا يسهم في بناء الوطن الذي احتضنه، دون أن يحوّل تاريخه وهويته إلى سلعةٍ للمقايضة. فاثبتوا على الحق، وكونوا صادقين في عطائكم، وسرعان ما تكسبون احترام الناس وثقتهم — من عامةٍ وسياسيين وإعلاميين.

إن حبّنا للسويد لا يتعارض مع اعتزازنا بأوطاننا الأصلية؛ فالمواطنة الحقيقية هي أن نكون أوفياء للأرض التي أنبتتنا، محترمين للأرض التي آوتنا. وهذا الانسجام بين الانتماءين هو ما يجعلنا جزءًا من الحضارة الإنسانية الكبرى، لا مجرّد أتباعٍ مبهورين ببريقها.

وأنا، محمود الدبعي، أؤمن أنّ الهوية ليست عبئًا نحمله، بل ثروة نعتز بها، وجسرًا نمدّه بين ماضينا وحاضرنا، بين أوطاننا الأصلية وأوطان الإقامة، بين ذاكرتنا وجيراننا.

وفي المقابل، على صانعي القرار في الدول المضيفة أن يدركوا أنّ المهاجرين الجدد ليسوا عبئًا، بل طاقةً خلاقة وثروة مستقبلية. فلا تُنصتوا للأصوات المتشددة التي تدعو لإقصائهم، فهم من سيصنعون الأمل، ويقفون حصنًا منيعًا للسويد في أوقات الشدائد. احتضنوهم، فالمَن هاجر مرة قد يهاجر ثانية، أما من احتُضن فسيُخلص للبيت الذي فتح له أبوابه.