حرب يوم الغفران بقلم الدكتور محمد كمال علام
حرب السادس من أكتوبر عام 1973، أو كما يسميها الإسرائيليون حرب يوم الغفران
هي واحدة من أعظم المعارك في التاريخ الحديث، وأحد أكثر الأيام مجدًا في ذاكرة الأمة المصرية والعربية. يومٌ انتفضت فيه الإرادة، وتكسر فيه الغرور الإسرائيلي على ضفاف **قناة السويس، يومٌ أعاد للعرب كرامتهم وللمصريين ثقتهم في جيشهم، بعد سنوات من الألم والانكسار في نكسة 1967
اليوم المجيد: 6 أكتوبر 1973
في تمام الثانية ظهرًا من يوم السبت، السادس من أكتوبر 1973 — الموافق للعاشر من رمضان 1393 هجريًا — دوّت المدافع المصرية على طول الجبهة، واصطفت عشرات الآلاف من الجنود خلف خط النار
وفي لحظة واحدة، تحوّلت صحراء سيناء إلى ملحمة نصر وعزة
أكثر من 220 طائرة مصرية عبرت قناة السويس في ضربة جوية مذهلة، دمرت مراكز القيادة والرادارات الإسرائيلية في دقائق معدودة
ثم بدأ أبطال سلاح المهندسين بفتح الثغرات في **الساتر الترابي "خط بارليف"** باستخدام مضخات المياه في مشهد مهيب لم يتخيله أحد
وفي ساعات قليلة فقط، عبر أكثر من 80 ألف جندي مصري إلى الضفة الشرقية، ورفعوا علم مصر على أرض سيناء
العبور الأسطوري وخطة الخداع
كانت خطة الحرب من أدق ما أُعد في تاريخ العسكرية الحديثة، فقد استخدم المصريون الخداع الإستراتيجي ببراعة غير مسبوقة
تدريب الجنود على العبور وكأنها مناورات عادية
تسريب معلومات مضللة عن إجازات الجنود في رمضان
إخفاء الاستعدادات العسكرية في وضح النهار تحت غطاء الأنشطة المدنية
حتى المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لم تتوقع أن مصر ستهاجم في يوم عيد الغفران اليهودي، حين تتوقف إسرائيل عن العمل تمامًا
أبطال من ذهب
لم تكن الحرب انتصارًا للسلاح فقط، بل انتصارًا للرجال
اللواء سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، العقل المدبر لخطة العبور.
المشير أحمد إسماعيل علي: وزير الحربية وقائد الجبهة، الذي نسّق مع القيادة السورية للهجوم المشترك
اللواء عبد المنعم واصل، واللواء عبد رب النبي حافظ، والعميد إبراهيم الرفاعي بطل العمليات الخاصة
الطيار محمد عبد العاطي، صاحب الرقم القياسي في تدمير الدبابات الإسرائيلية
اللواء نبيل شكري قائد قوات الصاعقة، الذي نفذ عمليات خلف خطوط العدو
كل واحد من هؤلاء الأبطال كتب اسمه في سجل المجد بدمه وشجاعته
كسر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر
قبل الحرب، كانت إسرائيل تروّج أن جيشها لا يُهزم، وأن "خط بارليف" أقوى خط دفاع في العالم
لكن في أقل من6 ساعات، انهارت هذه الأسطورة على يد الجندي المصري البسيط الذي تسلّق الساتر الترابي بيديه، وواجه الدبابات بصدره
أُسرت مئات الدبابات الإسرائيلية، وانهارت ثقة تل أبيب في جهازها الاستخباراتي
ولأول مرة منذ 1948، ارتجف المجتمع الإسرائيلي من فكرة الهزيمة
ما له وما عليه
رغم النصر العظيم، إلا أن الحرب لم تخلُ من الجدل
بعد نجاح العبور، وقعت ثغرة الدفرسوار بسبب سوء التنسيق بين بعض القيادات، واستغلها الجيش الإسرائيلي للعبور غرب القناة مؤقتًا
اللواء سعد الدين الشاذلي دخل في خلاف مع القيادة السياسية حول إدارة المعركة بعد العبور، وتم تهميشه رغم أنه صاحب الخطة الأصلية
اتفاق وقف إطلاق النار في الكيلو 101 مهّد لاحقًا لمفاوضات السلام، التي انتهت بمعاهدة كامب ديفيد عام 1979، ما أثار انقسامًا في الرأي العام العربي بين مؤيد ومعارض
أسرار بدأت تُكشف
مع مرور السنوات، بدأت تظهر وثائق جديدة تكشف بعض الأسرار
أن الرئيس السادات هو من اختار التوقيت بنفسه، رغم اعتراض بعض القادة العسكريين
أن المخابرات المصرية كانت تعلم مسبقًا بمكان تركيز القوات الإسرائيلية، مما جعل الضربة الجوية فعالة إلى أقصى حد
أن الدعم العربي، خصوصًا من العراق والجزائر وسوريا والسعودية والكويت، كان حاسمًا، سواء بالقتال أو بالبترول
وأن إسرائيل كانت على وشك الانهيار التام لولا الجسر الجوي الأمريكي الذي أنقذها في الأيام الأخيرة
إرث النصر
حرب أكتوبر ليست مجرد ذكرى عسكرية، بل رمز لاستعادة الكرامة
أثبتت للعالم أن المصري إذا قرر، انتصر، وأن الجندي العربي ليس أقل شجاعة أو كفاءة من أي جندي في العالم
ولهذا، في كل6 أكتوبر، ترفرف الأعلام في كل بيت مصري، تُذاع الأغاني الوطنية، وتعود إلى الأذهان صورة الجندي الذي عبر القناة حاملاً روحه على كفه ليكتب بدمه كلمة واحدة
الكرامة لا تُشترى.. والنصر لا يُمنح، بل يُنتزع
