الإعلام كسلاح: لماذا تهاجم "الحرة" قناة الجزيرة الآن؟
في خضمّ التحولات السياسية والعسكرية التي يشهدها الإقليم، يتصدّر المشهد الإعلامي صراع من نوع آخر: حرب باردة بين قناتي "الجزيرة" القطرية و"الحرة" الأميركية"
هذه الحرب الإعلامية تكشف عن منافسة محتدمة على العقول والرأي العام العربي، في وقت أصبحت فيه المعلومة أداة ضغط لا تقل أهمية عن السلاح.
الجزيرة.. الذراع الإعلامية لقطر
منذ انطلاقها عام 1996، تحولت الجزيرة من مجرد قناة إخبارية إلى أداة استراتيجية في يد قطر، مكنتها من تجاوز قنوات الدبلوماسية التقليدية، وصناعة حضور سياسي في ملفات حساسة.
ارتبط اسمها بالحركات الإسلامية، خصوصاً في أفغانستان والعراق وغزة، حيث منحتها تغطيات إعلامية استثنائية أضفت على القناة بعداً مؤثراً في مسارات النزاعات.
لكنّ ما بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، وما تلاه من ضربات إسرائيلية وإيرانية على الدوحة، غيّر قواعد اللعبة. "المسافة الآمنة" التي كانت قطر تتذرع بها بين سياستها الخارجية وخط الجزيرة التحريري تلاشت مع تعيين شخصيات من العائلة الحاكمة في مواقع قيادية داخل الشبكة.
هذا التحول جعل القناة أقرب إلى خطاب رسمي للدولة، وأبعد عن هامش الاستقلالية الذي طالما روّجت له.
الحرة.. خطاب مضاد
من جهتها، تحاول قناة "الحرة" – التي تموَّل من الكونغرس الأميركي – تقديم رواية مختلفة، تكشف ما تعتبره "توظيفاً سياسياً" للجزيرة في خدمة قطر وأجنداتها الإقليمية.
في تقريرها الأخير عن "طوفان الجزيرة"، أعادت الحرة تسليط الضوء على علاقة الشبكة القطرية بجماعات الإسلام السياسي، وعلى التحولات الجارية في بنيتها التحريرية، معتبرة أن الدوحة اضطرت لتغيير استراتيجيتها الإعلامية تحت الضغط الأميركي – الإسرائيلي.
لماذا الآن؟
السؤال المحوري: لماذا تفتح الحرة هذا الملف الآن؟
الإجابة ترتبط بعدة عوامل:
1. الضربات على الدوحة: وصول الصواريخ إلى العاصمة القطرية جعلت "الحصانة" الإعلامية والسياسية لقطر موضع شك.
2. التوتر الأميركي – القطري: واشنطن تريد ضبط خطاب الجزيرة، التي لطالما استُخدمت منصة لترويج روايات مخالفة للسياسة الأميركية في المنطقة.
3. التوازن الإقليمي: مع تصاعد الدور الإيراني والتركي، تجد الولايات المتحدة ضرورة في إضعاف الأدوات الإعلامية القادرة على تضخيم هذا النفوذ.
من وراء الحرب الإعلامية؟
واشنطن: عبر تمويل "الحرة"، تسعى إلى تقديم رواية مضادة تقلص من تأثير الجزيرة، وتضغط على قطر لتعديل سياساتها.
الدوحة: عبر إعادة هيكلة الجزيرة، تحاول الدفاع عن نفوذها الإعلامي والحفاظ على قدرتها على التأثير، ولكن دون الاصطدام مباشرة بالمصالح الأميركية.
إسرائيل: يهمها تحييد الجزيرة أو ضبط خطابها بعد سنوات من التغطية الناقدة لسياسات الحرب الإعلامية بين "الحرة" و"الجزيرة" ليست مجرد تنافس مهني بين قناتين، بل تعكس صراعاً أوسع بين مشروعين سياسيين:
الأول أميركي يسعى لفرض رواية منضبطة ومؤيدة لاستراتيجيته في الشرق الأوسط.
الثاني قطري يحاول استخدام الإعلام كأداة قوة ناعمة لتجاوز حجم الدولة الجغرافي والديموغرافي.
ويبقى السؤال: هل تدخل المنطقة مرحلة جديدة تُقيد فيها الجزيرة، وتكسر فيها "أسطورة الاستقلالية"، أم أن القناة ستعيد ابتكار نفسها لتبقى اللاعب الإعلامي الأبرز في العالم العربي؟

.png)






 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
