هل خسر الدروز انتماءهم العربي مقابل البندقية الإسرائيلية؟


إسرائيل ومنح الدروز السلاح: بين السياسة والأمن


فتحي الضبع 

منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، اعتمدت سياسات متعددة تجاه المكونات غير اليهودية داخل الدولة، ومن أبرز هذه الجماعات الطائفة الدرزية، التي حظيت بمكانة فريدة مقارنة بغيرها من العرب داخل إسرائيل. إحدى المظاهر اللافتة في العلاقة بين الدولة والطائفة الدرزية كانت منح السلاح للدروز، وهي سياسة لها أبعاد أمنية، سياسية، واجتماعية تستحق التأمل والتحليل.

الطائفة الدرزية في إسرائيل تُعد أقلية دينية من أصول عربية، لكنها – بخلاف العرب المسلمين والمسيحيين – وافقت على الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ خمسينيات القرن الماضي. هذا القرار التاريخي خلق نوعاً من "العقد الاجتماعي" غير المعلن بين الدولة والدروز، قائم على الولاء مقابل الامتيازات.

منح السلاح: الأسباب والدوافع

1. الدوافع الأمنية:

إسرائيل، من منظورها الأمني، ترى في الدروز حليفًا محليًا يمكن الاعتماد عليه، خاصة في المناطق المتاخمة للحدود الشمالية (الجليل والجولان). منح السلاح لبعض القرى الدرزية كان يُبرَّر على أساس حماية النفس ومساعدة الجيش في حالات الطوارئ.

2. ترسيخ الولاء السياسي:

عبر توفير السلاح وتدريبات عسكرية، تسعى الدولة إلى تكريس ارتباط الدروز بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، مما يعمّق الفجوة بينهم وبين باقي المكونات العربية الفلسطينية داخل إسرائيل

3. تقسيم المجتمع العربي:

يرى بعض المحللين أن منح السلاح للدروز جزء من سياسة "فرق تسد"، إذ يُستخدم لتعزيز هوية درزية إسرائيلية مميزة ومفصولة عن الهوية العربية العامة.

مظاهر منح السلاح

برامج الحراسة المدنية:

تشمل تسليح مجموعات درزية ضمن برامج "الحرس المدني"، وتوفير تدريبات من الشرطة أو الجيش.

تصاريح حمل السلاح الفردي:

يحصل عدد من أبناء الطائفة على تصاريح حمل سلاح شخصي، بحجة الخدمة العسكرية أو ظروف أمنية خاصة.

الميليشيات المحلية المؤقتة:

في فترات التوتر، مثل حرب لبنان أو الانتفاضات، تم تشكيل وحدات شبه عسكرية درزية ضمن الجيش الإسرائيلي أو بالتنسيق معه.

الانتقادات والآثار الجانبية

1. رفض داخل الطائفة:

لا يتفق جميع الدروز مع هذه السياسة. هناك حركات شبابية ومثقفون دروز يعارضون الخدمة في الجيش ويعتبرون التسليح جزءاً من محاولة توريط الطائفة في صراعات لا تخدمها.

2. زيادة التوتر مع المجتمع العربي:

التسليح أحياناً يخلق شرخًا داخل المجتمع العربي في إسرائيل، ويُستغل سياسياً من أطراف تتهم الدروز بأنهم "أداة أمنية" بيد الدولة.

3. تهديد الأمن المجتمعي الداخلي:

وجود السلاح بيد مجموعات مدنية، حتى لو كانت ضمن برامج رسمية، قد يؤدي إلى صراعات داخلية أو سوء استخدام في حالات فردية.

منح إسرائيل السلاح للدروز ليس مجرد مسألة أمنية، بل هو قرار سياسي يحمل أبعادًا استراتيجية تهدف إلى ضمان ولاء طائفة ترى فيها الدولة عنصرًا قابلًا للاندماج، بعكس باقي العرب في الداخل. إلا أن هذه السياسة ليست خالية من التحديات، سواء على مستوى العلاقات بين الطوائف أو على صعيد الانقسام داخل الطائفة نفسها. وفي ظل تصاعد الوعي السياسي لدى الشباب الدرزي، يبقى مستقبل هذه العلاقة مرهونًا بالتغيرات الإقليمية والداخلية في إسرائيل.