حزب الوحدة: مشروع سياسي واقعي ومسؤول لا يقسّم، بل يوحّد... بقلم السفير محمود الدبعى

ستوكهولم

كشفت الصحافة السويدية عن ولادة سياسية جديدة تمثلت بتأسيس حزب الوحدة (Enigheter )، قبل عام وشهرين من الانتخابات البرلمانية القادمة. ورغم ما يحمله التوقيت من تحدٍ، فإن التأسيس المبكر لحزب يقوده سياسيون مخضرمون لا يُعد مقامرة بقدر ما هو محاولة جادة لملء فراغ سياسي حقيقي طالما تم تجاهله، ولفتح باب أمام شريحة واسعة من المواطنين الذين لم يجدوا تمثيلًا سياسيًا حقيقيًا يعكس همومهم اليومية وتطلعاتهم المستقبلية.

إن تأسيس الحزب لا يهدف لتشتيت أصوات اليسار، بل لسد فجوة قائمة في المشهد السياسي، حيث يتجاهل اليسار التقليدي حقوق ومطالب شرائح واسعة من السكان، خاصة من ذوي الأصول المهاجرة. وعليه، فإن الحزب لم يقوم  بدافع تفتيت القوى اليسارية ، بل بدافع إعادة بناء كيان علماني على أسس أكثر عدالة وشمولية، تتجاوز النخب والدوائر المغلقة.

عوامل النجاح المحتملة

1. القيادة السياسية الواعية:

الحزب ليس مبادرة عفوية أو عاطفية، بل يقوده سياسيون ذوو خبرة طويلة في العمل البرلماني والحزبي. يتمتع هؤلاء بمعرفة عميقة بالنظام السياسي والقانوني، وشبكة علاقات قوية في الإعلام والمجتمع المدني، بالإضافة إلى قاعدة انتخابية نشطة ومؤثرة.

2. واقع سياسي مشحون بالاستياء:

يتزايد شعور المواطنين بالإحباط من أداء الأحزاب التقليدية، خصوصًا في ظل أزمات متراكمة كالتضخم، أزمة السكن، العنصرية البنيوية، وتهميش فئات معينة من المجتمع. أكثر من 800 ألف صوت انتخابي لم يشارك في الانتخابات السابقة، وهي أصوات تبحث عن بديل، وليس بالضرورة أن تنتزع من رصيد أحزاب اليسار، بل من الشارع الصامت الذي لم يعد يؤمن بجدوى التصويت.

3. أدوات العصر:

لم يعد الحزب بحاجة لبنية تنظيمية ثقيلة. بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة، يمكن بناء حملة انتخابية ذكية تستهدف جمهورًا واسعًا خلال فترة قصيرة، مع القدرة على خلق سردية سياسية موحدة ومؤثرة.

التحديات الحقيقية

1. ضيق الوقت التنظيمي:

بناء هيكل تنظيمي وطني خلال سنة وشهرين هو تحدٍ حقيقي، لكنه ليس مستحيلًا. التجارب الحديثة أثبتت أن الوصول إلى جمهور واسع لم يعد رهينًا بالبنية التقليدية، بل بالكفاءة والوضوح في الطرح السياسي.

2. حاجز الـ4%:

نسبة الدخول للبرلمان تُعد من أصعب العقبات أمام الأحزاب الجديدة. لكن ما يميز الوحدة أن بعض مؤسسيه هم بالفعل نواب حاليون في البرلمان، ما يمنحه شرعية سياسية وفرصة فريدة لتجاوز هذا الحاجز.

3. ضعف الثقة بالأحزاب الجديدة، خاصةً القادمة من خلفيات مهاجرة:

هذا واقع لا يمكن إنكاره. ولذلك فإن بناء المصداقية يجب أن يكون من خلال خطاب عقلاني، مدروس، غير شعبوي، يركز على قضايا تهم جميع المواطنين، وليس فئة بعينها.

خارطة الطريق

لنجاح الحزب، لا بد من اعتماد منهجية علمية وعملية ترتكز على الآتي:

تركيز الخطاب على القضايا المهملة: مثل الإسكان، الصحة النفسية، الهوية والاندماج، سوق العمل، التعليم، وسياسات التجنيس، إلى جانب ملفات بيئية وأمنية تهم الجميع.

استهداف الطبقة المتوسطة والمتقاعدين غير الراضين: خاصة من السويديين الأصليين، الذين يعانون من التهميش في ظل سياسات التقشف والخصخصة.

إعطاء الأولوية للشباب: خصوصًا الذين يواجهون التمييز في سوق العمل ويشعرون بالإقصاء السياسي. هؤلاء هم رافعة التغيير ووسيلة الوصول إلى شريحة أوسع.

رفض الترشحات الانتهازية: وتقديم وجوه نزيهة، لديها سجل نضالي واضح، ما يعزز الثقة في المشروع.

إبراز قصص واقعية: من خلال الإعلام ووسائل التواصل، توضح معاناة الناس وحلول الحزب لها بلغة بسيطة وشفافة، بعيدًا عن الوعود الطوباوية.

التحالفات الذكية: الحزب منفتح على التعاون مع قوى مشابهة كـ”نيانس” أو “فيشن” أو “التضامن”، شرط أن يكون التحالف مبنيًا على أهداف عامة، لا مصالح فردية.

تبني قضايا رمزية عاجلة: كاقتراح قوانين تتعلق بالإقامة، لمّ الشمل، الجنسية، أو إصلاحات في نظام التقاعد والرعاية الصحية. هذه الخطوات سترسل رسالة قوية بأن الحزب يعمل من أجل الجميع.

الرد على المشككين

يتساءل البعض إن كان تأسيس الحزب محاولة مدفوعة من جهات يمينية، أو وسيلة لضرب الصوت اليساري. والرد بسيط:

الحزب وُلد كرد فعل على تجاهل الأحزاب اليسارية لمطالب شرائح واسعة من المجتمع.

لا يسعى الوحدة لسحب البساط من اليسار، بل لخلق يسار واقعي، غير معزول عن قضايا الناس.

لا يرتبط الحزب بأي جهة يمينية، بل يؤمن بأن الديمقراطية الحقيقية تبدأ من الاستقلال في القرار السياسي، لا التبعية الإيديولوجية.

هل يمكن للحزب أن ينجح؟

الإجابة: نعم، إذا أحسن استغلال اللحظة.

وجود أعضاء من الحزب داخل البرلمان يمنحه أرضية قوية، غير متوفرة لأي حزب ناشئ. ومع خطة إعلامية ذكية ورسالة واضحة، يمكن للحزب أن لا يدخل البرلمان فقط، بل أن يصبح فاعلًا في صياغة السياسات الوطنية، ودافعًا للأحزاب الأخرى نحو تبني أجندة أكثر عدالة وشمولًا.

المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة