الطفل المسلم بين رعاية الأسرة ومسؤولية المجتمع: نحو رؤية راشدة في السويد




ستوكهولم 

تواجه الأسر المسلمة في السويد تحديات متزايدة في تربية الاطفال ،  مع تدخل دائرة الشؤون الاجتماعية (السوسيال) في قضايا الأطفال في الكثير من الاحيان بعد تشديد قوانين حماية الطفل واعطاء السوسيال اليات جديدة  لمراقبة البيئة التي يعيشوا فيها . وقد تحولت هذه القضية إلى موضوع حساس يثير جدلاً واسعًا بين الأسر، والمشايخ، والسلطات، والإعلام. وبينما يرى كثير من الأهالي أن سحب الأطفال يشكل تهديدًا لهويتهم وأمنهم النفسي، تؤكد السلطات أنها تقوم بدورها في حماية الطفل. وسط هذا الجدل، تبرز الحاجة إلى موقف متوازن يجمع بين مقاصد الشرع الإسلامي في التربية  ومقتضيات القانون السويدي في الحماية ، ويركز على حماية الأطفال دون تمزيق الأسر.

الطفل ومكانه الطبيعي في الشرع والقانون

من منظور الإسلام، الطفل أمانة عظيمة، و لا يجوز الاساءه له و لا يجوز تعريض الطفل للضرب و التعنيف و حرمانه من حقوقه الانسانية بان يعيش في بيت هانىء بعيد عن الخلافات الاسرية ومكانه الطبيعي هو بين والديه، حيث يجد الحنان والرحمة والاستقرار. قال تعالى: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”، أي أن خطأ الوالدين لا ينبغي أن يدفع ثمنه الأبناء بالنزع من بيئتهم الطبيعية.

ومن منظور القانون السويدي، فإن الهدف المعلن من تدخل السوسيال هو حماية الطفل من الخطر، وليس معاقبة الأسرة. غير أن الواقع العملي يكشف عن فجوة في التطبيق، حيث تُسحب بعض الأطفال لأسباب كان يمكن علاجها داخل البيت، مما يؤدي إلى صدمات نفسية وتهديد لهويتهم الثقافية والدينية.

دور المسجد: جسر لا جدار

المساجد في السويد مطالبة اليوم بدور أكبر من مجرد مكان للعبادة. إنها مطالبة بأن تكون جسرًا بين الأسرة  المسلمة والسلطات، عبر:

1.توعية الأسر بحقوقهم القانونيةومسؤولياتهم التربوية.

2.الإصلاح الأسري بالتعاون مع المختصين عند وجود خلل أو خلاف داخل البيت.

3.الحوار مع السوسيال بلغة قانونية هادئة، للبحث عن حلول تحفظ بقاء الطفل مع ذويه بدل نزعه .

4.الدفاع الإعلامي والحقوقي عن الأسر المظلومة، بعيدًا عن الشحن العاطفي أو تبرير الأخطاء.

بهذا الدور، يصبح المسجد حصنًا لحماية الأسر و اصلاح اليافعين ، لا طرفًا في النزاع.

المخاطر في الأسر الحاضنة وبيوت الشباب

تجارب كثيرة أثبتت أن وضع الأطفال في أسر بديلة أو بيوت شباب لم يكن حلاً ناجعًا، بل أدى في حالات عديدة إلى:

•انحراف سلوكي بسبب غياب الرقابة الأبوية.

•انهيار الهوية الثقافية والدينية للطفل.

•تعرض بعضهم لمشكلات الإدمان أو الجريمة  و الاغتصاب .

وبدلًا من ذلك، فإن معالجة الخلل داخل الأسرة الأصلية، بدعم من المسجد والسوسيال، تحقق مصلحة الطفل بأقل خسائر ممكنة.

نحو رؤية متوازنة

لحماية الأطفال وتفادي تمزيق الأسر و اضطرار العديد من الاسر للهجرة القصرية خوفا على مستقبل الابناء، نحتاج إلى رؤية متوازنة تقوم على:

•احترام مقاصد الشرع: بقاء الطفل في أسرته ما أمكن، وحماية هويته الدينية والثقافية و اللغوية .

•تفعيل القانون بشكل عادل: ضمان أن يكون سحب الطفل آخر الحلول، بعد استنفاد كافة الوسائل الإصلاحية.

•تعاون ثلاثي: الأسرة + المسجد + السوسيال، لإزالة أسباب الخلل، وبناء بيئة صحية يعيش فيها الأطفال بأمان واستقرار.


إن مكان الطفل بين والديه، وهذه ليست فقط وصية الشرع، بل هي أيضًا قاعدة إنسانية يؤيدها المنطق السليم. وإذا كان هناك خلل داخل الأسرة، فالواجب إصلاحه بالتعاون، لا بتمزيق البيت. والمساجد، بما تمثله من مرجعية روحية واجتماعية، قادرة على أن تكون شريكًا في حماية الأطفال، والدفاع عن حقوق الأسر المسلمة ضمن إطار القانون السويدي، وبذلك نصون أبناءنا من الضياع، ونبني مجتمعًا أكثر عدلاً وتوازنًا.


محمود الدبعي 

المنظمة الدولية للسلام والديمقراطية والمواطنة