بين التضامن والجدل : رفع العلم الفلسطيني على مبني مقر الحكم في روما
روما
إكرامي هاشم
شهدت العاصمة الإيطالية روما اليوم حدثًا غير مسبوق، حيث رُفع العلم الفلسطيني فوق قصر السيناتور ( مبني بلدية روما)، بمبادرة من أعضاء مجلس البلدية المنتمين إلى الحزب الديمقراطي، وحركة النجوم الخمس، والحزب الاشتراكي الإيطالي، والحزب البيئي المدني اليساري.
الخطوة جاءت بعد أيام من الجدل داخل مجلس الكابيتولين، الذي كان قد رفض في 16 سبتمبر اقتراحًا مماثلاً قدمته حركة النجوم الخمس، إثر امتناع غالبية أعضاء الحزب الديمقراطي عن التصويت. لاحقًا، صاغ الديمقراطيون نصًا جديدًا أكثر شمولاً، يأخذ في الاعتبار دعم “أسطول الصمود العالمي” المتجه إلى قطاع غزة لكسر الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية.
الجالية اليهودية: “مناخ معاداة السامية يتفاقم”
رئيس الجالية اليهودية في روما، فيكتور فضلون، انتقد بشدة قرار رفع العلم الفلسطيني، واصفًا إياه بأنه “موقف مثير للانقسام لا يمثلنا كمواطنين ولا كيهود ذوي جذور عريقة في هذه المدينة”.
وقال فضلون إن القرار “يتناقض مع ذكرى هجوم الكنيس اليهودي عام 1982، الذي قتل فيه إرهابيون فلسطينيون الطفل ستيفانو غاي تاشي وأصابوا العشرات”، مضيفًا أن “اختراق الدعاية المؤيدة لفلسطين مجلس مدينتنا يفاقم بشكل خطير مناخ معاداة السامية ويغذي حالة عدم اليقين التي تعيشها الجالية اليهودية اليوم”.
وأشار فضلون إلى أن “العلم المرفوع هو نفسه الذي يُستخدم في ساحات التظاهر حيث تُطلق شعارات الكراهية والدعوة لمحو إسرائيل، وهو ما يعيد إلى الأذهان رعب هجمات السابع من أكتوبر”.
ردّ قادة الكابيتولين: “روما ستظل مدينة سلام”
في بيان مشترك، أكد قادة الأغلبية في المجلس – فاليريا باجليو (الحزب الديمقراطي)، فرديناندو بونيسيو (أوروبا الخضراء)، جيوفاني كودو (روما فوتورا)، أليساندرو لوباريلي (اليسار المدني البيئي)، ساندرو بيترولاتي (ديموس)، وجورجيو ترابوكو (قائمة جوالتييري المدنية) – أن روما “ستظل دائمًا موطنًا آمنًا لليهود”، وأن ذكرى ستيفانو غاي تاشي “ستبقى محفورة في ضمير المدينة”.
وشدد البيان على أن المبادرة لا تعني استهداف الجالية اليهودية، بل تهدف إلى “الدعوة لسلام عادل ودائم، وحل سياسي يعيد الأمل للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، ويدين خيارات حكومة نتنياهو وانتهاكات القانون الدولي”.
إيقاف التعاون مع شركة إسرائيلية
إضافة إلى رفع العلم، شمل الاقتراح المعتمد الدعوة إلى تعليق مذكرة التفاهم الموقعة عام 2013 بين شركة المياه الإسرائيلية “ميكوروت” وشركة Acea المملوكة لبلدية روما، والتي لم تثمر عن أي تعاون فعلي حتى الآن.
الجامعات والبلديات تدخل على خط التضامن
الجدل لم يقتصر على مجلس الكابيتولين، إذ شهدت جامعة “سابينزا” في روما رفع الأعلام الفلسطينية خلال احتفالات الذكرى التسعين لتأسيسها، في حضور وزراء ومسؤولين بارزين. وطالب الطلاب بتعليق الشراكات الأكاديمية مع المؤسسات المرتبطة بالمجمع العسكري-الصناعي الإسرائيلي، وتوفير دعم للطلاب والباحثين الفلسطينيين.
كما أعلنت بلدية غارباتيلا (الدائرة الثامنة) وغيرها من بلديات روما رفع العلم الفلسطيني على واجهات مبانيها تضامنًا مع غزة، ودعت الحكومة الإيطالية إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين واستخدام جميع الوسائل السياسية والدبلوماسية لوقف الاحتلال وضمان الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
مشهد سياسي منقسم
التحرك الأخير أبرز الانقسام السياسي داخل العاصمة الإيطالية. ففي حين تبنى الحزب الديمقراطي في النهاية رفع العلم، كان قد امتنع عن التصويت على اقتراح حركة النجوم الخمس قبل يومين فقط. على الصعيد الوطني، أدان كل من إيلي شلاين ونيكولا زينغاريتي (من الحزب الديمقراطي) أفعال الحكومة الإسرائيلية، واعتبرا أن ما يجري في غزة يرقى إلى الإبادة الجماعية وفق تقارير أممية.
إشارة رمزية قوية
وصفت ليندا ميليو، زعيمة حركة الخمس نجوم، الخطوة بأنها “إشارة واضحة لا لبس فيها للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة”، مضيفة أن المبادرة جاءت “بفضل زخم القوى التقدمية”.
أما أليساندرو لوباريلي (SCE) فاعتبر أن الاجتماع “أرسل إشارة مهمة بالتضامن مع الشعب الفلسطيني”، مؤكدًا أن على روما التعاون فقط مع جهات “تحترم العدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان”.